الكاتب والباحث الأردني د. وليد عبد الهادي العويمر لـ«المغرب»: اللمسات الأخيرة لصفقة القرن تتم صياغتها بمراحلها النهائية في الولايات المتحدة

قال الكاتب والباحث الاردني د. وليد عبد الهادي العويمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة مؤتة الأردنية ان حالة عدم الاستقرار

ستستمر في سوريا والعراق بدعم من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لإشغال القوى الإقليمية (إيران، تركيا، السعودية ) وحتى تستطيع الولايات المتحدة خصوصا تنفيذ مشاريعها المستقبلية في المنطقة خصوصا ما يعرف بصفقة القرن والمتعلقة بتصفية القضية الفلسطينية. مؤكدا ان الأردن سيكون احد الخاسرين الكبار من تبعات صفقة القرن واضاف في حديثه لـ «المغرب» ان الهدوء والتراجع في الاعتصامات في الاردن قد يعود مرة أخرى بشكل أقوى واعنف وبمطالب اكبر وأوسع من المطالب السابقة لان الشارع الأردني اعتبر انه أعطى الحكومة الأردنية الجديدة مهلة لكي تصلح الأوضاع الاقتصادية .

• إلى اين تتجه المنطقة في ظل الاضطرابات التي نشهدها ؟
للأسف المنطقة العربية تتجه نحو مزيد من التشرذم والتشظي والتردي، فالعواصم العربية التي عرفت تاريخيا بدورها المحوري في تسيير المنطقة العربية للصالح العام ( السعودية، مصر، سوريا، العراق) تعيش أسوأ حالاتها وهي منشغلة في ترتيب أوضاعها الداخلية على حساب الإقليم العربي الذي بدأت إسرائيل تستفرد به بشكل علني وصارخ ومفضوح دون أدنى رادع من القوى العربية الإقليمية التي بدأت تنكفئ على أوضاعها الداخلية تاركة لإسرائيل وإيران وتركيا والقوى الدولية الولايات المتحدة وروسيا حرية الحركة في تسيير المنطقة حسب ما تقتضيه مصالح هذه القوى. فالأوضاع في سوريا تتم مناقشتها بين روسيا وأمريكا وإيران وتركيا، في حين أن العرب مغيبون تماما عن المشهد السوري ماعدا بعض التدخلات العربية الخجولة التي لا تؤثر بشكل واضح في المشهد السوري.

• ما هو وضع الأردن بعد الأزمة الأخيرة؟
اعتقد أن الأزمة الأخيرة والتي على إثرها خرج الشارع الأردني بشكل عفوي في مختلف المحافظات والمدن والقرى . خرج ضد العديد من القرارات الاقتصادية التي كانت حكومة الدكتور هاني الملقي تنوي إصدارها والتي شعر معها المواطن أنها ستزيد من نسبة الفقر والبطالة وسوف تؤثر بشكل كبير على الطبقة الوسطى والدنيا .. وبعد الاحتجاجات الشعبية اعتقد أن الأوضاع أصبحت أكثر استقرارا لان الملك عبد الله الثاني استجاب لمطالب الجماهير بإقالة حكومة الملقي وإيقاف قانون ضريبة الدخل سيء السمعة ... وما ألاحظه أن الاحتجاجات الشعبية والاعتصامات في الشوارع والميادين العامة توقفت ولكن مع حذر وترقب لما ستقوم به الحكومة الجديدة التي تم تكليفها بعد حكومة الملقي .. ولكن هذا الهدوء والتراجع في الاعتصامات قد يعود مرة أخرى بشكل أقوى واعنف وبمطالب اكبر وأوسع من المطالب السابقة لان الشارع الأردني اعتبر انه أعطى الحكومة الأردنية الجديدة مهلة لكي تصلح الأوضاع الاقتصادية ولكن في حال فشلت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور عمر الرزاز اعتقد أن الاحتجاجات والاعتصامات ستعود للشارع بقوة أكثر. فمن خلال متابعتي لمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية واللقاءات العديدة التي تنظمها مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وقيادة الرأي والفكر في الأردن فإنها تنتظر حتى ترى ما تفرزه الحكومة من قرارات وسياسات وتشريعات تخفف من وطأة الأوضاع الاقتصادية عن كاهل المواطن. وبالتالي نحن الان في مرحلة ترقب وانتظار مع وجود أصوات ترتفع بين الحين والأخر تطالب بالإسراع بالإصلاحات الاقتصادية وضرورة تحديد جدول زمني لتلك الإصلاحات بحيث يلمس المواطن خلال فترة زمنية ليست بالبعيدة تغيرا ايجابيا في سياسات الحكومة الجديدة الاقتصادية خصوصا موضوع مكافحة الفساد والمحسوبية والتغول على المال العام من قبل المسؤولين وصناع القرار في الأردن.

• اين وصلت إصلاحات الحكومة الأردنية الجديدة ؟
الملاحظ أن الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور عمر الرزاز تحاول جاهدة بلورة وجدولة المطالب الشعبية والمتعلقة في معظمها بالشأن الاقتصادي ... حيث أعلن رئيس الوزراء الأردني انه تم سحب قانون ضريبة الدخل من مجلس النواب ولن تتم مناقشته وإقراره كما أقرته الحكومة السابقة، بل انه سيتم إجراء حوار موسع مع مختلف أطياف المجتمع الأردني خصوصا المؤسسات الاقتصادية الأهلية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بهدف الوصول إلى صيغة جديدة ترضي الطرفين وتحقق الهدف المنشود من القانون الجديد للضريبة وهو الحد من حالات التهرب الضريبي. كذلك تم تشكيل العديد من اللجان لدراسة المطالب الشعبية وذلك بالتواصل المباشر مع الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وطلبت الحكومة بهذا الصدد إعطاءها مهلة 100 يوم حتى تستطيع إعادة تقييم مختلف المطالب الشعبية وإعادة النظر بمختلف القوانين والتشريعات التي تكفل إحداث تغيير ايجابي وحقيقي يلمسه المواطن. وقد بينت حكومة الدكتور الرزاز انه بعد دعوة الملك عبدالله الثاني مجلس الأمة الأردني لعقد دورة استثنائية سيكون برنامج الحكومة جاهزا لتقديمه للسادة النواب للحصول بناء عليه على ثقة مجلس النواب الأردني. وسوف يتضمن البيان الحكومي الإجراءات الحكومية المنوي اتخاذها في المرحلة المقبلة في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والعلاقات الأردنية الخارجية بما يضمن مزيداً من الاستقرار المالي والاقتصادي للدولة الأردنية.

• كيف يؤثر الوضع الإقليمي على الأردن؟
لا شك أن الوضع الإقليمي في سوريا والعراق والسعودية وفلسطين يؤثر بشكل كبير على الدولة الأردنية، وهذا التأثير له جوانب اقتصادية وأمنية وسياسية . فالأوضاع الأمنية غير المستقرة في سوريا والعراق تؤثر بشكل سلبي على الوضع الأمني والاقتصادي في الأردن، وذلك لوجود صلات تجارية واقتصادية وأمنية قديمة وعديدة ومتشعبة بين هذه الدول والأردن. ومن ثم فإن استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني في سوريا والعراق سوف يلقي بضلاله بشكل سلبي على الأردن وتحرم الأردن من موارد اقتصادية تجارية مع هاتين الدولتين اللتين في حال استقرار الأوضاع الأمنية فيهما سوف تنشط التجارة بينها وبين الأردن نظرا للقرب الجغرافي وسهولة انسياب السلع والبضائع بين هذه الدول والأردن، بالإضافة لضمان حصول الأردن على النفط من العراق والعديد من الصناعات والمنتجات الزراعية السورية الرخيصة الثمن. ومن ثم فالأردن معني أكثر من غيره بالحل السلمي في سوريا ، وهو يتوسط كذلك باستمرار بين الفصائل والتيارات السياسية العراقية لضمان استقرار الأوضاع الأمنية في العراق، لما لذلك من فوائد اقتصادية وأمنية على الأردن بحكم طول الحدود الجغرافية بين الأردن وهاتين الدولتين. فاستمرار النزاع في سوريا وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في العراق يلقي على كاهل الدولة الأردنية المزيد من الأعباء الأمنية على الحدود الشرقية والشمالية لحماية تلك الحدود من الجماعات الإرهابية التي في حال دخولها للأردن قد تحدث حالة من عدم الاستقرار الأمني . وقد ثبت ذلك من خلال كثير من العمليات الإرهابية التي شهدتها الساحة الأردنية خلال الفترة السابقة كان أعضائها من الجماعات الإرهابية القادمة من العراق وسوريا عبر الحدود البرية.
أما بالنسبة للسعودية فإن الأردن ترتبط معها بصلات تجارية كبيرة تتضمن الدعم المالي لكثير من المشاريع التي تنفذها الدولة الأردنية بأموال سعودية، وقد أدى الانغماس السعودي في الأزمة اليمنية إلى إلحاق أضرار اقتصادية واضحة بالاقتصاد السعودي مما دفعها إلى تقليص دعمها المالي للأردن حتى تستطيع أن تفي بالمطالبات الوطنية السعودية الداخلية. ومن هنا فحل الأزمة اليمنية بالطرق السلمية لا شك سيكون له انعكاس ايجابي على استمرار تدفق المعونات والمساعدات المالية السعودية للأردن.
أما بخصوص الأحداث في فلسطين وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية فلا شك أن ذلك يضعف من الدور الأردني الديني والسياسي على الساحة الفلسطينية وبالتالي لم تعد المقدسات الإسلامية في القدس احدى الأوراق القوية التي كانت تستخدمها الأردن للضغط من خلالها على الإدارة الأمريكية والإسرائيلية لدفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات والمعونات للأردن باعتبار الأردن هو المسؤول عن تلك المقدسات وقد اعترفت إسرائيل والولايات المتحدة عند توقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994 أن الأماكن المقدسة في القدس هي من ضمن صلاحيات ومسؤوليات الدولة الأردنية.
ومن هنا فإن الأوضاع الإقليمية وتطوراتها الحالية تؤثر بشكل سلبي على الدولة الأردنية.

• وكيف تنظرون الى ما يحصل في العراق وسوريا ؟
اعتقد أن الأوضاع غير المستقرة في هذين البلدين سوف تستمر خلال المرحلة المقبلة وذلك لان الولايات المتحدة خصوصا غير جادة في إحداث استقرار حقيقي في العراق حتى تبقي إيران وتركيا والخليج منشغلة بالأوضاع الداخلية العراقية. كذلك الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة غير جادة في حل الأزمة السورية مع الدولة الروسية لوجود مصالح مشتركة لكلى الدولتين في استمرار الأوضاع كما هي لان كليهما مستفيد من حالة عدم الاستقرار الأمني. فالتواجد الروسي على الأرض السورية مشرعن من قبل النظام السوري ، وفي المقابل الولايات المتحدة متواجدة بقوة في مناطق شرق الفرات والشمال السوري لضمان مصالحها الإقليمية في العراق وتركيا ومع الأكراد.
وبالتالي ستستمر حالة عدم الاستقرار في سوريا والعراق بدعم من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لإشغال القوى الإقليمية (إيران، تركيا، السعودية ) وحتى تستطيع الولايات المتحدة خصوصا تنفيذ مشاريعها المستقبلية في المنطقة خصوصا ما يعرف بصفقة القرن والمتعلقة بتصفية القضية الفلسطينية.

• وما وراء لقاء الملك عبد الله الثاني برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عمان ؟
بلا شك اعتقد أن الزيارة المفاجئة والخاطفة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي للأردن لها علاقة واضحة ومباشرة بصفقة القرن بدليل انه بعد الزيارة مباشرة توجه الملك عبدالله الثاني للولايات المتحدة وما زال حتى الان يجري لقاءات موسعة مع مختلف المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة في محاولة للخروج بأقل الخسائر من تلك الصفقة والتي يعتقد الأردن انه سيكون احد الخاسرين الكبار من تبعات تلك الصفقة . ويجب أن لا ننسى زيارة المستشارة الألمانية ميركل وكوشنير صهر الرئيس الأمريكي للأردن التي جاءت بنفس الفترة السابقة لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي.
لذلك فكل الدلائل تشير إلى أن اللمسات الأخيرة لصفقة القرن تتم صياغتها بمراحلها النهائية في الولايات المتحدة والتي قد تعلن بشكل علني خلال الفترة القصيرة القادمة . فالخطى متسارعة من الإدارة الأمريكية والإسرائيلية لإتمام هذه الصفقة والدعم الخليجي المالي وصل للأردن بعد اللقاء الرباعي الذي جمع بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والملك عبدالله الثاني والشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت ونائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115