قمة أوروبية في بروكسل: ملف الهجرة يهدّد بنسف مبدإ «البيت الأوروبي المُوحّد»

انطلقت في مدينة بروكسل امس وعلى امتداد يومين قمة اوروبية طارئة لمناقشة ملف الهجرة غير الشرعية وسط انقسامات

بين الدول الأعضاء حول سياساتها في مواجهة هذه المعضلة التي باتت تؤرق القارة العجوز مع غياب حلول ناجعة للحدّ من هذا المدّ المتزايد من المهاجرين بالإضافة الى رفض بعض الدول الالتزام باتفاق يقضي باستقبال اللاجئين .

ويجتمع قادة 27 دولة اوروبية منذ يوم امس الخميس في بروكسل لبحث ملف الهجرة غير الشرعية ومآلاتها خاصة مع تفاقم الأزمة مؤخرا وبروز خلافات كبيرة بين دول اوروبا خصوصا فرنسا وايطاليا .ويناقش زعماء القارّة العجوز مقترحات تتعلق بسبل تعزيز الحدود الأوروبيّة، وإنشاء منصات استقبال للمهاجرين خارج أوروبا، وتعزيز دعم البلدان التي يغادر منها المهاجرون.كما يحاول المجتمعون تجاوز نقاط الخلاف المتفاقمة فيما بينهم خصوصا وان الفجوة تعمقت مؤخرا نتيجة رفض الحكومة الايطالية الجديدة استقبال عدد من السفن التي تقل مهاجرين ما اثار غضبا فرنسيا وتوترا بين البلدين .

يسعى قادة الاتحاد الأوروبي خلال قمتهم المنعقدة الخميس والجمعة في بروكسل إلى تجاوز الانقسامات حول أزمة الهجرة، والتي تصاعدت في الآونة الأخيرة على خلفية رفض إيطاليا استقبال عدة سفن تقل مهاجرين.

ويحاول الغرب ارساء استراتيجية مشتركة ومتماسكة لمواجهة موجة الهجرة غير الشرعية خاصة بعد صعود حركات شعبوية الى السلطة في اوروبا على غرار ايطاليا مايهدّد أي اتفاقات سابقة بالانهيار نظرا لرفض هذه الحركات لمبدإ استقبال المهاجرين.

سياسات أوروبية متضاربة
وبخصوص السياسة الفرنسية تجاه ازمة الهجرة غير الشرعية قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة في حديثه لـ«المغرب» انّ اشكالية المهاجرين وملف الهجرة بصفة عامة باتت، تؤزم الآفاق الأوروبية لسياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وتابع الطوسة «عندما انتخب ايمانول ماكرون رئيسا للجمهورية الفرنسية سارعت بعض الاوساط السياسية والإعلامية للإشارة إلى ان قيمة هذه الخطوة تكمن في كونَّها تحمل مؤشرات قوية لتوقيف حاد لعملية صعود المد الشعبوي في العالم والذي جسدت بعد رموزه نجاح عملية البريكسيت وفوز دونالد ترامب بالبيت الأبيض. وقد اعتبر وقتها ايمانول ماكرون في مكان الرجل الرمز، الايقونة السياسية التي وقفت سدا منيعا امام زحف الشعبويين على السلطة في دول الاتحاد الأوروبي» على حد تعبيره.

وأشار محدثنا الى انه خلافا لما كان يتوقعه البعض سجل هذا التيار السياسي اختراقات حيوية في بعض البلدان الهامة التي كان ايمانول ماكرون يعول عليها كثيرا لانعاش مشروعه الأوروبي، وأضاف «مع الولاية الرابعة لإنجيلا ميركل دخل اليمين المتطرف بزخم الى البرلمان الألماني. في النمسا حقق هذا التيار نقلة نوعية في دواليب السلطة. أما في إيطاليا قد استطاع الشعبويون بمختلف أطيافهم الاستحواذ على السلطة’’.

واكد الطوسة ان أزمة المهاجرين التي فجرت أشواطها اشكالية باخرة الاكواريوس بين إيطاليا اسبانيا وفرنسا جاءت لتكشف الى العلن صعوبة توصل الأوروبيين الى مقاربة مشتركة لحل هذه الأزمة. واشار الى ان ما زاد الطين بلة كون بعض دول شرق أوروبا دخلوا في مرحلة عصيان مدني ضد القرارات التي تتخذها بروكسل في مجال الهجرة وهددوا باتخاذ إجراءات قد تنسف مبدأ البيت الأوروبي الموحد.

كما اعتبر محدثنا انه «وعيا منها بخطورة الحقبة الحرجة التي يمر بها الاتحاد الأوروبي قررت القيادات الأوروبية عقد لقاءات استعجالية على المستوى الأوروبي في محاولة لإيجاد مخرج قد يخفف من تداعيات هذه الأزمة التي أصبحت تشكل هاجسا وجوديا لهذه الاجتماعات الأوروبية. وهناك اجماع على انّ هذا الفشل قد يعبد الطريق الى هذه القوى الأوروفوبية لتحقيق اختراقات في الاستحقاقات الأوروبية المقبلة».

وأمام هذه المعادلة الجديدة قال محدثنا ان ‘’الرئيس الفرنسي يجد نفسه وحده يسبح ضد التيار لمحاولة إقناع الأوروبيين بضرورة انقاذ المشروع الأوروبي عبر إصلاحه، فلا هو قادر أن يعول على حليفته التاريخية أنجيلا ميركل آلتي تواجه تحديا سياسيا قاتلا من طرف وزير داخليتها هورست سيهوفور. ولا هو قادر آن يقنع القيادة الايطالية الحالية بنجاعة مشروعه الأوروبي. بالعكس هناك علاقات متوترة وصلت الى حد التلاسن السياسي بين باريس وروما. ولا هو قادر آن يقنع دول شرق أوروبا بوضع حد لحركة التمرد و العصيان المدني التي أصبحت تميز موقفهم من قرارات الاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة».

قمة بروكسل
وبخصوص التوقعات المتعلقة بقمة بروكسل اجاب الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة بالقول انه ‘’انطلاقا من اجتماع القمة التي عقدت الأحد الماضي ليس هناك أي مؤشر على ان هذه القمة ستتوج بالنجاح، بل بالعكس هناك عدة مؤشرات تقول ان قمة بروكسل ستكرس الشرخ بين دول الاتحاد الاوروبي حول استحالة ايجاد مقاربة مشتركة لإدارة ازمة الهجرة ».

وتابع محدثنا «هناك حلف الماني فرنسي اسباني مقابل ايطاليا وبعض دول شمال اوروبا وهذا الانقسام في البيت الأوروبي من شأنه أن يترك أثرا سلبيا حول التداعيات والتطورات المستقبلية للسياسة الاوروبية المشتركة ‘’

وأكد الطوسة ان ازمة الهجرة سممت أجواء العلاقات الاوروبية حاليا وتهدد بغياب عمل اوروبي موحد ما من شانه ان يكون له تداعيات سلبية على اداء الاتحاد الاوروبي الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي في الوقت الذي يواجه فيه هذا الفضاء الاوروبي تحديات استراتيجية قوية من الولايات المتحدة الامريكية روسيا والصين مضيفا ان ازمة الهجرة ابرزت عيوب البيت الاوروبي الموحد .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115