وتعيد الحركة لديناميكية المسار السياسي والحلول التوافقية ..ولعل ابرز ما اتفقت عليه الفصائل الليبية المتنافسة هو وضع خارطة طريق جديدة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ديسمبر المقبل بكل ما يستلزمه ذلك من تحضيرات لوجستية وقانونية على غرار اعتماد القوانين الانتخابية الضرورية بحلول 16 سبتمبر ..وتنظيم جولة جديدة لتسجيل الناخبين على القائمات الانتخابية لمدة إضافية تحددها الأمم المتحدة. وكذا الاتفاق على العمل على نحو بنّاء مع الأمم المتحدة، من أجل التأكد من توفر الشروط التقنية والتشريعية والسياسية والأمنية المطلوبة لتنظيم الانتخابات.
ولئن كان الاتفاق على ضمان سلامة العملية الانتخابية هو امر مبدئي وأساسي بين الفرقاء الا ان تنفيذ هذا البند على ارض الواقع يشوبه الكثير من الشكوك ، مع وجود فصائل مسلحة رديفة للدولة وتشكل حكومات موازية في اكثر من منطقة في ليبيا ..ولعل اعلان 13 كتيبة في الغرب الليبي مسلحة معارضتها لقمة باريس قبل انعقادها ، يشكل مؤشرا اضافيا على حجم التحديات التي يمكن ان تواجه المسار الجديد ..
ويبقى السلاح المنتشر بيد الميليشيات التحدي الاصعب الذي كبل العمل باتفاقية الصخيرات طوال العامين الماضيين ، وحول ليبيا الى دولة « فاشلة» امنيا طوال الاعوام الماضية.. فهل سيتمكن الفرقاء الليبيون من حل هذه المعضلة وكسر شوكة الميليشيات على اختلاف توجهاتها وايديولوجياتها ..وهل يشكل اتفاق باريس بداية جديدة لانهاء الانقسام ؟
نهاية اتفاق الصخيرات
تقول الكاتبة الصحفية والاكاديمية الليبية فاطمة غندور لـ « المغرب» ان النتيجة الاولى لهذا اللقاء «الموسع» قياسا بلقاء باريس جويلية 2017 هو دفن « اتفاق الصخيرات» فغابت أية جملة بدلالة التمسك أو المرجعية في توكيد أن متغيرات في الأحداث تجاوزته، وثانيها هو الانتقال من الدعوة للانتخابات الى الاقرار والاتفاق على موعدها (16 سبتمبر مولد عمر المختار – 10 ديسمبر عيد الدستور الملكي )». وتضيف بالقول:«ويظل التعويل على مسألة الكيفية و آلياتها بالداخل الليبي الذي أزمته انعدام التوافق فعليا بين أطرافه بشأن الذهاب للانتخابات وقبلها أزمة الدستور وهي جملة أكدها ماكرون في المؤتمر الصحفي كما المبعوث الأممي ، ولذلك لو جرى التوافق فعليا وحسب ما نطقت به باريس الموسعة حضورا سيستلزم الأمر ضمانتها (الانتخابات) ضمن مهام جيرة وأقليم ، والدولي ، ومنها فرض عقوبات على أي طرف يستقوي أو يغالب مدعوما بقوى خارجية رفضا لنتائجها كما جرى في انتخابات 2014.
تداخل الادوار الخارجية
بدا واضحا ان مؤتمر باريس يكرس عودة الدور الفرنسي الى ليبيا بفعالية اكبر وربما هذا يعد من الاسباب التي دفعت الرئيس الفرنسي للدعوة الى هذه القمة الجديدة الموسعة ليبيا واقليميا ودوليا وذلك بعد قرابة عام على الاجتماع الاول الذي جمع حفتر بالسراج في جويلية من العام الماضي تحت سقف الاليزيه..في هذا السياق توضح الباحثة الليبية ان هناك اشكالا دوليا في منظومة بعض دول الاتحاد الاوروبي وبالتحديد فرنسا ايطاليا بريطانيا ألمانيا، وذلك يبرز في الازمة الليبية منذ سنوات.. ولعله ما عرقل تحقيق نتائج من لقاء باريس الاول ، ففي مواجهة اجتماع باريس هذا تأتي ايطاليا في اشكال يستند إلى صراع النفوذ والتنافس التاريخي في التواجد دورا مركزيا بالجغرافيا الليبية، ويشكل غياب بريطانيا وعدم اعلان موقفها غموضا في المشهد ، أما أمريكا المنشغلة بالمشكل الاسيوي كوريا وايران فليبيا لاتقع ضمن أولوياتها أو ربما وحسب تصريح سابق لترامب ان مسألة ليبيا متروكة في الجيب الاوروبي وفي الحالتين هو موقف ينعكس سلبا كدور قياسا بموقف أمريكا فيفري 2011 المعبر عنه عبر مجلس الامن وقرارته».
وتؤكد غندور انه لو حصل توافق داخلي مع دعم اقليمي ودولي لما جرى الاتفاق والتوقيع عليه باجتماع باريس ماي 2018 ربما هذا الثقل يواجه في كفة الموازين ثقل الرافضين !.
أهم البنود
في مقابل الترحيب الاقليمي والدولي لاتفاق باريس الجديد ، اعلنت عدة اطراف رفضها لهذا الاتفاق في حين بقي موقف دول اخرى مثل ايطاليا غير واضح ..فقد حذّرت «مجموعة الأزمات الدولية» من «نتائج عكسية» قد يؤتيها المؤتمر الذي استضافته باريس حول ليبيا وواعتبرت «مجموعة الأزمات الدولية» في مذكرة خطية ان «الاجتماع قد يؤتي نتائج عكسية اذا لم يكن هناك توافق أوسع يشمل أطرافاً سياسية وعسكرية أخرى». وأوضح مركز الابحاث أن هذا المؤتمر تغيب عنه بالخصوص مدينة مصراتة التي تعتبر فصائلها المسلحة من بين الاقوى في غرب ليبيا ويعتبر ساستها من الاكثر نفوذاً. واضافت المجموعة في مذكرتها أنه «تمت دعوة عدد من الليبيين للمشاركة على هامش المؤتمر ولكن لن تتم دعوتهم للتوقيع على الاتفاق». وأوضحت ان هذا الترتيب لم يرق بالخصوص لوفد مصراتة الذي «رفض التوجه الى باريس ما ان أُبلغ بأنه لن يُعامل كبقية الوفود الأربعة».
يشار الى ان إعلان باريس حول ليبيا.. وضع ثماني بنود ترسم خارطة طريق حل الأزمة ويرى العديد من المتابعين انها تمثل خطوة أولى نحو المصالحة واهم البنود هي الإقرار بأهمية وضع أسس دستورية للانتخابات، ودعم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في المشاورات التي يجريها مع السلطات الليبية بشأن تقديم اقتراح للدستور، وتحديد جدول زمني لاعتماده. الاتفاق على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وفق ما يحدده الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بالتشاور مع حكومة الوفاق الوطني، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات.الاتفاق على العمل على نحو بنّاء مع الأمم المتحدة، من أجل التأكد من توفر الشروط التقنية والتشريعية والسياسية والأمنية المطلوبة لتنظيم الانتخابات. الالتزام بدعم المساعي التي تبذلها الأمم المتحدة لبناء مؤسسات عسكرية وأمنية محترفة وموحدة، وخاضعة لمبدإ المحاسبة، فضلا عن تشجيع حوار القاهرة الجاري، والعمل على نحو بناء من أجل توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية. والاتفاق على المشاركة في مؤتمر سياسي شامل لمتابعة تنفيذ هذا الإعلان، برعاية الأمم المتحدة ومع الحرص على التقيّد بالجدول الزمني والشروط التي يحددها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مع المؤسسات الليبية.