الهدنة في سوريا ... والفرصة الهشّة لالتقاط الأنفاس

تحوم الشكوك حول مسار الهدنة الموقّعة بين أطراف الصراع السوري ليل الجمعة المنقضي، وسط أنباء عن خرق الهدنة في وقت يعلّق فيه البعض آماله على إمكانية تدارك الخروقات وصمود وقف إطلاق النار ، في بلد عاش على وقع الحرب الأهلية لستّ سنوات متواصلة.

وتباينت التّقارير الرسميّة والإعلاميّة حول نتائج 3 أيّام من الهُدنة ،تقارير عن بعض الانتهاكات سواء المُرتكبة من المعارضة أو من قبل النّظام السّوري، وسط شكوك دوليّة حول مدى جديّة أطراف الصّراع . يشار إلى أنّ الاتفاق الموقّع برعاية الولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا استثنى الجماعات الإرهابية وبالتحديد “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” ، الاّ انّ اختلاف تصنيف الأطراف الفاعلة في سوريا لهذه الجماعات الإرهابية هو مايزيد من تعتيم المشهد السوري وتعقيده .

في هذا السياق قال د. محمد محمود مرتضى الباحث والكاتب اللبناني المختصّ في شؤون الجماعات المسلّحة لـ«المغرب» أنّ الهدنة بين أطراف الصراع في سوريا لن تصمد لوقت طويل. مضيفا انّ المعسكر الأمريكي وحلفاءه ، يرى في الهدنة مصلحة له باعتبار انها تخفف من انهيار بعض الجماعات المحسوبة عليه ، وعلى رأسها حركة «أحرار الشام» باعتبار انها مشمولة بالهدنة. وتابع الباحث اللبناني ان بعض الأطراف العربية وتركيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع «جبهة النصرة» التي تعتبر غير مشمولة بالهدنة من هنا تسعى هذه الأطراف- عملت بالفعل قبل بدء سريان الهدنة- على جعل نوع من التداخل في بعض المناطق بين جبهة النصرة واحرار الشام بحيث يصعب استهداف الجبهة دون ان يطال صفوف حركة «أحرار الشام» باعتبار أنّهما ينضويان معا تحت مسمّى «جيش الفتح» على حدّ تعبيره .

تباين الاهداف
وتابع مرتضى «فيما الجيش السوري وحلفاؤه قادرون على استهداف الجبهة في المناطق التي لا يوجد فيها هذا التداخل، سيجد هذا المعسكر الأمريكي ولاسيما السعودية وتركيا، بعد فترة أن ضرب «جبهة النصرة سيضعف كثيرا الجماعات الموالية لها» .
واعتبر محدّثنا انّ الهدنة ستكون بمثابة التقاط الأنفاس بالنسبة لهؤلاء، وكذلك تفعيل التسليح واعادة دراسة الخطط العسكرية وما إلى ذلك ، مشيرا إلى انه من ناحية المعسكر السوري وحلفائه ، فان الهدنة تفيده أولا في التقاط انفاسه بعد التقدّم الكبير الذي حققه ، وباعتبار انها تعطيه الفرصة لتركيز قواته الهجومية على بعض الجبهات التي يتمركز فيها «داعش» و«جبهة النصرة» بعد أن كان هذا المعسكر يقاتل على جبهات متعددة وواسعة. وفي تعليقه على التصريحات السعودية بخصوص استعداد قواتها لضرب معاقل تنظيم «داعش» الارهابي في سوريا انطلاقا من قاعدة ‘انجرليك’ التركية ، أجاب محدّثنا أنّ الدور السعودي والتركي محكوم بالسّقف الأمريكي ، مشيرا إلى أنّ كلّ ما يقال عكس ذلك، هو بمثابة ذرّ الرماد في العيون ،لتلعب الولايات المتّحدة الأمريكية من خلاله دورا أوسع وتعطي لنفسها ولحلفائها هامشا أكبر للمناورة تحت عنوان،تفلّت سعودي تارة وتفلت تركي تارة أخرى.

وأشار محدّثنا إلى أنّ “إعلان الرياض عن استعدادها لضرب «داعش» الارهابي من خلال قواعد عسكريّة في تركيا غير مستبعد، علما وأنّ هناك قوّات عربيّة تقاتل مع التحالف الأمريكي منذ ان انطلق هذا التحالف في أوت 2014، وكلنا يعلم أن الامارات وقطر كانتا مشاركتين فيه وكذلك الاردن التي سقطت لها الطائرة الشهيرة وقضية الطيار معاذ الكساسبة. اذن المشاركة العربية كانت موجودة في الاصل. من هنا فان المشاركة بحملة جوية لن تغير شيئا إلا إذا ظن البعض أن سلاح الجو السعودي سيفعل ما لم يقدر عليه سلاح الجو الأمريكي. على ان القضية كما يعلم الجميع ليست في القدرات الجوية للولايات المتحدة بل في الارادة الجدية في محاربة “داعش”.

خطط بديلة
وتابع الباحث والكاتب اللبناني إن «داعش» أصبح عنوانا فقط للحلف الأمريكي لتبرير التدخلات وإطارا عاما للتوظيف العسكري والسياسي، وبذلك ستبنى الجماعات المسلحة التي يراد منها التقسيم الطائفي في العراق تحت عنوان ان القوى التي يجب ان تقاتل «داعش» في العراق ينبغي ان تكون «سنية» وان التحالف الذي يجب ان يحارب «داعش» يجب ان يكون من دول «سنية». الجميع بات يعلم ان الجماعات التكفيرية تعود بجذورها الفكرية وركائزها العقائدية الى الفكر الذي تنتجه السعودية، اي الفكر الوهابي فكيف يمكن لاحد ان يصدق ادعاء محاربة ‹داعش› مع بقاء هذا الفكر هو الحاكم؟ ان هذا الادعاء يشبه شخصا يملك مصنعا ينتج رجالا آليين ثم يقول انه يريد ارسال جيشه لقتال هؤلاء الآليين.. يقاتلهم ويقتل منهم فيما لا يزال المصنع يعمل وينتج. فهل سنصدق بالفعل انه يحارب ويقاتل.؟ لو كان بالفعل يريد محاربتهم وانهاءهم لاستهدف المصنع الذي ينتجهم اولا ثم بعد ذلك يحارب الموجودين فعليا منهم. اذن القضية ليست محاربة الرجال الآليين كلهم بل محاربة بعضهم ممن خرج عن التعليمات وخرج عن اطار التوظيف. فالهدف ليس تدمير المصنع ولا ضرب كل هؤلاء وانما استعادتهم لاعادة برمجتهم من جديد».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115