واللافت ان المظاهرات بدأت حراكا اجتماعيا شبابيا احتجاجا على تردي الوضع الاقتصادي وتصاعد الغلاء والفساد وانتشار البطالة، ولكن سرعان ما اخذ طابعا سياسيا مع رفع المتظاهرين شعارات منددة بالنظام الاسلامي وبالخميني لأول مرة في تاريخ البلاد...وهو ما دفع عديد القادة الايرانيين الى اتهام ايادي خارجية بتأجيج الوضع ..
وبدأت منذ الخميس الماضي المظاهرات في مدينتي مشهد وكاشمر شمال البلاد، وامتدت لاحقًا لتشمل مناطق مختلفة، من بينها العاصمة طهران. واول المباركين للاحتجاجات كان الرئيس الامريكي دونالد ترامب « العدو اللدود» للجمهورية الاسلامية والذي اشاد بالمتظاهرين واصفا نظام طهران «بالوحشي والفاسد» على حد قوله ..وكذلك فعل حليفه رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتيناهو ، في حين دعا المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي امس إلى بدء نقاش جدي حول القضايا التي أثارها المحتجون . وهذا ما دفع المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي الى اتهام «أعداء» بلاده، باستخدام أدوات مختلفة مثل «المال والسلاح والسياسة وأجهزة المخابرات» لإثارة مشاكل للدولة الإيرانية. وذلك في اول تعليق له على الأحداث في حين اكد مسؤولون ايرانيون ان حسابات الكترونية في الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية تقوم بإثارة التظاهرات ..
غضب شعبي
ولعل السبب الرئيسي المباشر لتفجر الوضع هو غلاء الاسعار و ارتفاع معدل البطالة ..وبحسب المركز الاحصائي الايراني فان معدل البطالة في هذا البلد ارتفع الى 12.4 في المئة . في وقت ارتفع فيه معدل التضخم الى 8 بالمئة. كما ان بعض الشعارات المرفوعة انتقدت السياسة الخارجية لايران والتي تعطي اولوية للتدخل في قضايا المنطقة الساخنة في مقدمتها العراق واليمن .
وتطرح احتجاجات الغضب المنتشرة في الشوارع الايرانية تساؤلات عميقة عما اذا كانت مجرد ازمة عابرة ام انها بداية «ثورة» قد تهدد استقرار البلد والنظام برمته ... ويؤكد الخبراء في الشأن الايراني ان هذه الاحتجاجات تختلف عن تلك التي اعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009 حيث كانت ترتكز في العاصمة طهران في حين تأخذ المظاهرات الجديدة طابعا سياسيا وتنتشر في مختلف المحافظات الايرانية..وشهدت تمزيق صور للخامنئي لاول مرة .. ولئن رفعت مطالب محقة تتعلق بالتشغيل وبإطلاق المزيد من الحريات في نظام اسلامي «محافظ ، الا ان التصريحات المؤيدة للحراك والقادمة من « اسرائيل» وواشنطن تأتي لتثير تساؤلات حول مدى تورط جهات خارجية بتحريك الوضع، وعما اذا كان ما يحصل في طهران، هو جزء مما يسمى مشروع « الشرق الاوسط الجديد» الذي سبق وان تحدثت عنه ادارة بوش الابن وبدأت اولى معالمه ترتسم مع احتلال العراق سنة 2003 ..وهو ما وضع المنطقة منذ ذلك الحين على حافة بركان متفجر بالأزمات.
ازمة عابرة؟
يقول الباحث اللبناني المختص في الشؤون الايرانية طلال عتريسي لـ « المغرب» ان هذه الاحتجاجات بدأت كمطالب معيشية مقبولة ومشروعة ضد رفع الاسعار والغاء بعض صناديق القروض.لكن بحسب محدثنا فان هناك محاولات جدية تجري عبر مواقع تواصل في الداخل الايراني والخارج الى تحويلها الى حركة عنفيَة وسياسية. وهذا لن تسمح به السلطات.
ويؤكد محدثنا بانها أقل خطورة من أزمة 2009.لأن الاصلاحيين والمحافظين سيكونان معا في مواجهة تهديد النظام.
وفيما يتعلق بتصريحات ترامب فقد اعتبر انها تسيء الى الاحتجاحات وتعطيها الطابع الخارجي. واضاف:«بعض الجهات تحاول تحويلها الى عملية تغيير أو فوضى.» وتوقع بالا تطول لأنه ليس هناك قيادات للحراك على حد قوله ..
وتأتي هذه الاحتجاجات لتزيد من وطاة التحديات التي تواجهها طهران داخليا وخارجيا ..فهذا البلد الذي يحتل مركزا هاما في أمن الطاقة الدولية ويضم ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط ، يعاني منذ سنوات من وضع اقتصادي متردي بسبب العقوبات التي كانت مفروضة عليه.. وبالرغم من تمكن الرئيس حسن روحاني من توقيع الاتفاق النووي الشهير مع الغرب سنة 2015 ، الا ان ذلك لم يؤد الى تغير كبير في الارقام ومعدلات النمو..
وقد سبق ان شهدت شوارع طهران احتجاجات في محطات عديدة من تاريخها لعل اهمها تلك التي اطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي سنة 1979. وأدت الى تولي رجال الدين مقاليد الحكم تحت قيادة اية الله الخميني ، والذي أصبح مرشدا أعلى للثورة الإسلامية ورأس نظام الحكم في هذا البلد.