خاصة و أن الرجل يحظى بدعم إيطالي و أممي.
كما لاحت الجماعة الليبية المقاتلة عاجزة في الآونة الأخيرة عن إعادة بسط نفوذها على العاصمة طرابلس و إسقاط حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها السراج. فلم تجد دعوات حليفها رجل الأعمال و المرشح السابق لرئاسة الحكومة الليبية عبد الباسط إقطيط آذانا صاغية رغم السند الميليشيوي الكبير الذي لقيه حليف «الجماعة» من قبل حلفائه أملا في إزاحة رئيس حكومة الوفاق وإعادة خلط الأوراق.
فالسراج بات مقبولا ليس من حلفائه فحسب، بل أيضا من «أصدقاء خليفة حفتر» من الفرنسيين على وجه الخصوص، وقد برز ذلك بالأساس في لقاء باريس الذي تمخض عنه اتفاق لم يجد طريقه إلى التطبيق على غرار الاتفاقيات السابقة. ولعل غضب الإيطاليين من «سراجهم» بعد لقاء باريس المشار إليه يؤكد على هذا التقارب حيث انتفضت روما بسياسييها و إعلامييها و نخبها ضد هذا اللقاء الذي جعل الإيطاليين يعتقدون أن الإيليزي يطمح إلى سحب البساط من تحت أرجلهم في الملف الليبي، الأمر الذي استوجب تطمينات من باريس و زيارة عاجلة من السراج.
إن تقارب الضرورة، أي التقارب بين حفتر والسراج، هو مسألة تحتاج إلى إعادة تقييم باستمرار، إذ لا يرى منها إلا البوادر أو السطح الخارجي دون أن يحصل النفاذ إلى التفاصيل، التي تؤكد أنه توجد أشياء كثيرة تجمع بين الطرفين على غرار أنهما من خارج منظومة الإسلام السياسي. كما أن كليهما ليسا من تحالف ما كان يعرف بـ«فجر ليبيا»، و هما يعترفان بمجلس النواب الليبي الحالي حتى قبل اتفاق الصخيرات، فضلاً عن أن السراج قد اعترف، يوم كان عضواً في مجلس النواب، بحفتر «قائداً عاماً للجيش الليبي» .. ولم يعلن حتى هذه الساعة أنه قد تنصل من هذا الاعتراف.
ومعلوم أن فائز السراج قد التحق بمجلس النواب، المجبر على الإقامة في طبرق، منذ انطلاق عمل هذا المجلس. ورفض رئيس الوزراء الليبي الحالي أن يكون ضمن المقاطعين برغم كونه من المنطقة الغربية التي كانت تسيطر عليها قوات فجر ليبيا آنذاك، والتي أُجبر كثير من نوابها على المقاطعة، ناهيك عن المقاطعين انطلاقاً من قناعة ذاتية.
ومن هنا يجب على المرء أن لا يستغرب من أي تقارب قد يحصل بين الرجلين ويتدعم في الأيام القادمة و ذلك رغم الهزات التي تبرز من حين لآخر و تؤثر سلبا في ثقة الطرفين ببعضهما البعض. فالوضع في ليبيا إستثنائي و يجعل كل شيء عرضة للإهتزازات بما في ذلك التحالفات السياسية التي تبرز هنا و هناك. و ما إعلان السراج صراحة أن حفتر هو قائد الجيش الليبي إلا دليل على أن العلاقة بين الرجلين سارت أشواطا متقدمة.
و يبقى التحدي الأكبر برأي أغلب الخبراء و المحللين، والذي قد يقف حجر عثرة أمام أية تسوية سياسية قد تحصل بين الرجلين في المستقبل، هو مدى انصياع القوات المسلحة التي تأتمر بإمرة حفتر لقيادة مدنية وليس العكس. إذ لا يعقل أن تحتل قيادة الجيش موقع الصدارة في أعلى هرم السلطة في دولة مدنية يطمح الليبيون في ترسيخ دعائمها في أقرب الآجال.
و يتخوف معارضو حفتر و المتحفظون عليه و حتى أنصاره من الطيف الديمقراطي والمدني، كما تخشى أطراف عديدة فاعلة في المشهد الليبي من عدم قبول الجنرال باللعبة الديمقراطية و بالتداول السلمي على السلطة يحركه موروث العهد السابق من جهة و طبيعته العسكرية من جهة أخرى. كما يبدو وأن الرجل راغب في السلطة و لا نية له في تركها بحسب شهادات مقربين منه يحركه طموح سياسي يبدو أنه لن يعرف حدودا.
بالمقابل فإن السراج كان مفاجأة ليبيا في الأشهر الأخيرة و بامتياز، إذ لم يتوقع أشد المتفائلين قبل سنة أن يصمد الرجل في طرابلس بضعة أسابيع، و أن مصيره سيكون إما الترحيل أو الخطف على غرار علي زيدان، وأن لا تتجاوز حدود سلطته السفينة الحربية التي جيء به فيها. حتى ان بعضهم علق ساخرا بأن سقف طموح هذا الرجل أقل بكثير من سقف حامد قرضاي أفغانستان الذي لم تتجاوز سلطته مقر إقامته في كابول، وأن نفوذه لن يتجاوز تلك السفينة.
لكن المتأمل في المشهد الليبي اليوم يدهش لحجم انجازات السراج التي لم تكن متوقعة، فقد تمكن من دحر قوات عبد الحكيم بلحاج إلى خارج طرابلس و حرر صبراتة، وهو بصدد توسيع نفوذه في غرب ليبيا. وباتت له قوات قادرة ليس فقط على حمايته بل على خوض المعارك مع قوى الإرهاب و الخارجين عن القانون. فقد فرض السراج نفسه في المشهد الليبي وفي وقت قياسي وأصبح يزن داخليا وخارجيا، و لم يعد بإمكان حفتر أن يتجاهله ويرفض لقاءه كما كان الأمر في السابق وذلك مراعاة للمتغيرات الحاصلة في موازين القوى.