يشار الى انّ أكثر من 5 ملايين مقترع شاركوا في استفتاء يوم امس في المحافظات الثلاث التابعة للإقليم وهي إربيل ، السليمانية ودهوك، بالإضافة الى مناطق اخرى لاتزال محل نزاع بين اقليم كردستان والسلطات العراقية وهي كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى، وهي مناطق تمكنت قوات البيشمركة (التابعة لإقليم كردستان) من السيطرة عليها بعد طرد تنظيم ‘’داعش’’ الارهابي منها منذ سنة 2014. ومن المنتظر ان يتم الاعلان عن النتائج النهائية للاستفتاء بعد 72 ساعة من التصويت الذي انطلق صباح امس الاثنين وانتهى في مساء نفس اليوم. وفي هذا السياق قالت المفوضية العليا للاستفتاء في كردستان ان نسبة التصويت قبل ساعة من إغلاق الصناديق بلـغت 76 % .
هذا الاستفتاء تزامن مع تنامي حدة الانتقادات التي وجهتها حكومة العراق اولا لسلطات الاقليم وسط دعوات داخلية للبرلمان العراقي بإلزام رئيس الوزراء حيدر العبادي بنشر قوات في كل المناطق المتنازع عليها مع الأكراد.في المقابل هددت تركيا بقطع تدفق النفط من كردستان العراق بما يمثل ضغطا إضافيا على إقليم كردستان شبه المستقل بسبب الاستفتاء على الاستقلال.
قراءة في الوضع الكردي والمواقف الدولية
من جهته قال الباحث والكاتب العراقي جاسم البديوي في تصريح لـ»المغرب’’ ان استفتاء انفصال كردستان يجب النظر اليه من ناحيتين الاولى داخلية واخرى اقليمية دولية واضاف ان الصعيد الداخلي يتمثل وفق تعبيره في البيت الكردي الداخلي الذي عانى في الايام الماضية من ازمة اقتصادية وسياسية عصفت بالإقليم تتمثّل في تعطيل البرلمان الكردي وايضا انتهاء صلاحية رئيس الحكومة مسعود بارزاني مما خلق ازمة في ترتيب الاولويات السياسية بين المكونات الكردية .
وأضاف البديوي أنّ الأزمة وصلت الى أفق الانسداد السياسي والاقتصادي بالإضافة الى وجود تبعات الحرب ضد ‹›داعش’’ الارهابي ، وأشار الكاتب العراقي الى ان الوضع الداخلي في الاقليم هو وضع متأزم ومتداعي وصل الى حافة الانهيار في ظل تمسك بعض الاحزاب الكردية بمواقفها وأيضا ظهور «داعش» وسيطرته على عدة مناطق هناك الامر الذي فسرته ادارة مسعود بارزاني على انه ضوء اخضر لبداية الحلم الكردي وهو اقامة دولة كردستان .
واعتبر محدثنا ان بارزاني حاول عبر قوات البيشمركة ضم بعض المناطق في الموصل كما انه حاول فرض سياسة الامر الواقع وكامل تصريحاته تذكر ان العراق القديم قد انتهى وان الوضع السياسي لن يرجع الى ماكان عليه . واعتبر البديوي ان الاستفتاء على انفصال كردستان قضيّة حسّاسة مضيفا أن توقيت اجراء هذا الاستفتاء الذي فرضه بارزاني رغم التّحذيرات ورغم الضّغوطات والقلق الدولي والإقليمي والداخلي . وأكد محدثنا ان الداخل الكردي ايضا يشهد رفضا خاصة وان كثير من الاحزاب الكردية تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية وترى ان مثل هذه الخطوة هي محاولة من بارزاني لامتصاص هذه المعارضة ومن اجل اشغالها عن مشاكل اقتصادية وسياسية .
وتابع البديوي «كثير من الاحزاب السياسية يرون ان الوقت غير مناسب باعتبار ان الاقليم يمر والعراق يمرّ والمنطقة أيضا تمر بانعطافات حاسمة وهو ما من شأنه التأثير على الوضع واستقرار كردستان .ارادة بارزاني هي ان يتم ضم المناطق المتصارع عليها وهي السليمانية اربيل والدهوك وهذا هو سبب المشكل’’.
وعلى الصعيد الاقليمي والدولي قال محدثنا ان الموقف الاقليمي الرافض والخارجي بشكل عام الرفض سيكون فعالا خاصة وان لا يمكن لاي استفتاء او انفصال ان يكون ناجحا دون موافقة الدول الكبرى تركيا ايران امريكا والتي رفضت بشدة الاستفتاء خصوصا في توقيته الحالي.
واكد جاسم البديوي «اذا استمرار التعنت البارزاني بطروحاته الحالية رغم تحذيرات الدولية والمبادرات التي سيقت مؤخرا ، يعني ذلك ان المنطقة تنزلق نحو معضلة جديدة ليست بأقل خطورة من خطورة تنظيم «داعش» الارهابي باعتبار انها قد تفضي الى نشوب حرب وصدام جديد المنطقة في غنى عنها».
وتابع الكاتب العراقي «قد يثار اسئلة ملحة في هذا الصدد لماذا يصر البارزاني والقادة الكرد على موضوع الاستفتاء ؟ وهل هناك اشارات معينة تسلمها البارزاني لبدء الانفصال ؟ هل هناك ضوء اخضر لماذا يصر رئيس اقليم كردستان المنتهية صلاحياته على الاستقلال؟ . وأشار محدثنا الى وجود بعض القراءات التي قد يستند عليها بارزاني وهي لا ترقى الى
مستوى الوعود حتى، قائلا ان « الاشارة الاولى كانت التقارب الكردي التركي اذ نعرف ان اردوغان وسياسته قربت بارزاني والأكراد الجيدين بمقابل الاكراد السيئين ، بالنتيجة هي كانت تتعامل مع اقليم كردستان ايجابيّا بما ان الطرفين هما حلفاء فيما يتعلق بمعاداة حزب العمال الكردستاني».
وتابع محدثنا « فسّر البعض ان بارزاني فهم انه تحصل على الضوء الاخضر وانه لا مانع من وجود حكومة كردية لها علاقات جيدة مع تركيا، وهي اللاعب الاكبر في موضوع استفتاء كردستان في النتيجة بارزاني فسر ذلك الارتياح في العلاقات ليتكئ على ذلك ويتوجه نحو الانفصال وهي قراءة خاطئة، اما الاشارة الاخرى التي ربما فسرها الاكراد بشكل خاطئ
هي وجود حليفة اقليمية وهي «اسرائيل» وكلنا نعرف ان اسرائيل تطمح لوجود حليف لها في المنطقة في مكان قريب من عدوها ايران وقيام دولة كردية يضع لها موطئ قدم على الحدود مع ايران».
واشار البديوي الى ان السؤال المطروح الآن هو مدى امكانية ان يكون التحالف الاسرائيلي الكردي قويا الى الدرجة التي يراد بها ان تولد دولة تكون ‘’اسرائيل’’ العصب الاساسي الداعم لها ؟ ، متابعا ان «اسرائيل» كان لها تجربة سابقة في دعم الانفصال وهي جنوب السودان وقد كانت من اشد المطالبين بإنشاء هذه الدولة والتي تعاني من مشاكل جمة .
واضاف الكاتب العراقي ان المشكل في استفتاء كردستان هو وجود مشاكل داخلية وخارجية تهدد بحرق المنطقة وزلزلتها ، مؤكدا ان طروحات الحوار والتفاوض هي الانسب في الوقت الراهن .
واكد محدثنا ان «لا احد داخليا ولا خارجيا ولا الارادة الإقليمية الداخلية والدولية يعارض اقامة دولة للأكراد ، المعارضة هي بالاساس في مصلحة الشعب الكردي وفي توقيت الانفصال وفي سيناريو هذا الانفصال الذي اقترح على القادة الكرد واصرارهم على اجرائه في هذا التوقيت، وهي اشارة اخرى ربما قد قرأها الاكراد بشكل خاطئ نتيجة التحالف مع الولايات المتحدة الامريكية يبدو انهم فهموا بان احد مستشاري ترامب كما ذكرت نيويورك تايمز يدعم الانفصال ربما ايضا قد تكون اشارة فسرها الكرد على انها قبول امريكي».
استفتاء انفصال ام بحث عن شرعية لبارزاني؟
من جهته اعتبر الكاتب والباحث العراقي فوزي عبد الرحيم في تصريح لـ«المغرب» انه من حيث المبدأ يحق للشعب الكردي أن يقرر مصيره في البقاء ضمن العراق أو الاستقلال بدولة طالما حلم بها الكرد.
واضاف «لكن يجب الفصل بين هذا الحق المطلق وأهداف رئيس الإقليم مسعود بارزاني الذي اختار هذا التوقيت بالذات للحصول على شرعية يفتقدها بعد أن انتهت ولايته منذ فترة طويلة إضافة إلى رغبته بتجاوز الظرف الاقتصادي العصيب الذي يمر به الإقليم بسبب سياسات الإقليم والفساد المنتشر وسيطرة العاءلة البرزانية على كل المفاصل الاقتصادية ومنها بيع النفط بشكل مباشر دون موافقة السلطة الاتحادية كما ينص الدستور ثم عدم اطلاع اي جهة رقابية أو حكومية بتفاصيل ذلك »..
واعتبر الكاتب العراقي انه الى حد الآن حصل البارزاني على شعبية كبيرة جدا برفعه شعار الاستفتاء لكن ذلك قد ينقلب اذا سارت الأمور بشكل آخر لا يناسب البارزاني الذي استغل انشغال الحكومة الاتحادية بقتال «داعش» ليضم أراضي موضوع جدال في الإقليم،وهو ماقد يؤدي لتحرك ورد عسكري يؤدي إلى نتائج مروعة خصوصا وأن هكذا تحرك سيكون مدعوما من جيران الإقليم تركيا وإيران والجمهور العراقي في ظل خفت الدعم الغربي الذي كان يعول عليه البارزاني وفق تعبيره.