أكدت غادة سعفان مسؤولة تواصل بسفينة «برودنس» للبحث والإنقاذ التي تسيِّرها منظمة أطباء بلا حدود في حوار لـ«المغرب» انه منذ منذ بداية 2017، أنقذت منظمة أطبّاء بلا حدود حوالي 18000 شخص» . وأضافت انّ مجابهة ظاهرة الهجرة غير النظامية تستوجب جهودا اكبر من المجتمع الدولي والحكومة الليبية على حد سواء.
• اولا لو تقدمون لنا آخر التطورات المرتبطة بعمليات الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط؟
لا يزال البحر الأبيض المتوسط يُعتبر واحدًا من أخطر المعابر على الإطلاق. منذ بداية العام 2017، أنقذت منظمة أطبّاء بلا حدود حوالي 18000 شخص بفضل سفينتَي البحث والإنقاذ التابعتَين لها (أكواريوس وبرودونس). ويتواجد هؤلاء الأشخاص على متن قوارب غير متينة وغير صالحة للإبحار تغرق بعد ساعات معدودة فقط إن لم تصل المساعدة إليها في الوقت المناسب. ولا تزال حصيلة وفيات الأفراد الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا في ارتفاع متواصل وبلغ عدد الذين يشتبه بموتهم هذا العام إلى 2360، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة .
وعادةً ما تكون القوارب التي نجدها مليئة بمياه البحر والوقود، ما يشكّل خطرًا جسيمًا من شأنه أن يتسبّب بحالات اختناق أو حروق جلدية. ولا يمتلك الركّاب على متن القوارب الطعام، وتفتقر غالبية كبيرة منهم إلى الأحذية. وفي كثير من الحالات، يشعر الركّاب بالإرهاف ونشهد على الكثير من الحالات الطبية التي تشمل الحمل الناجم عن العنف الجنسي، والإعاقات نتيجة التعذيب، والأمراض غير المعدية غير المُعالجة، وغيرها من المشاكل. كما ويتم إخبارنا عن عدد كبير من الأشخاص الذين لقوا حتفهم في عرض البحر، في حين يبقى طيّ الكتمان عدد كبير من القصص عن أشخاص عبروا الصحراء مشيًا على الأقدام وسقطوا صرعى لعجزهم عن المضي قدمًا.
• كيف تقيمون الجهود المبذولة لحل هذه الأزمة وكيف ترون دور المجتمع الدولي فيها؟
تنجز منظمة أطباء بلا حدود عمليات الإنقاذ هذه بالتنسيق مع المركز الإيطالي لتنسيق الإنقاذ البحري. كما تؤدي منظمات غير حكومية أخرى من أقسام مختلفة من العالم أنشطة مماثلة. ومع ذلك، فإن الجهود المختلفة كافة التي يبذلها الأعضاء المختلفون من المجتمع الدولي لمعالجة هذه المشكلة لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب. يجب على أعضاء الاتحاد الأوروبي والبلدان الأخرى على طول طريق الهجرة أن يدركوا بأنها أكبر أزمة هجرة بشرية تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، وتتطلب معالجتها الإتيان ببدائل أفضل للأشخاص الذين يلتمسون الأمان، عوضًا عن تشييد جدران أعلى مستوى على طرقات الهجرة المختلفة.
• ما هي العقبات التي ما زالت تواجه عمليات الإنقاذ وما هي الحلول المحتملة للحدّ من ظاهرة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط؟
تجعل سياسات أوروبا وشمال أفريقيا المُتّبعة إزاء هذه الهجرة من الوضع أكثر سوءًا بالنسبة لمن يهربون من الخطر أو الظروف المعيشية التي لا تُحتمل. وما كان من إجراءات إغلاق الحدود، وتجريم المهاجرين، وانعدام الخيارات الأخرى سعيًا خلف الأمان والكرامة، إلا أن أجبرت الناس اليائسين، الذين يريدون طلب اللجوء أو بكل بساطة العثور على حياة كريمة في أوروبا، إلى سلك طرقات أشدّ خطرًا. والطريقة الوحيدة لوضع حدّ لهذه المأساة هي ابتكار بدائل آمنة وقانونية لهذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر مخططات إعادة التوطين، ولمّ شمل الأسرة، وإصدار التأشيرات الإنسانية، ورفع القيود المفروضة على التأشيرات، وتوفير تصاريح عمل أو دراسة.كما تبرز الآن انتقادات واسعة النطاق للظروف المعيشية التي يجد المهاجرون أنفسهم وسطها.
• هلّا زودتنا بصورة واقعية تعكس ما يحصل فعليًا في البحر الأبيض المتوسط بما أنه تبرز اتهامات تفيد بأن سياسات خفر السواحل الأوروبي والليبي تسبّبت بوفاة مهاجرين؟
يأتي هؤلاء الناس من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وسوريا وشمال أفريقيا وحتى بنغلاديش وباكستان. فرّ بعضهم من المجاعة والحرب في نيجيريا، بينما هرب آخرون من الحرب في سوريا واضطروا إلى عبور ليبيا بعد إغلاق طريق البلقان، وحاولت عائلات أخرى من شمال أفريقيا كسب المعيشة في ليبيا ولكنها عجزت حتى عن تأمين التعليم لأطفالها. وجابت مجموعة أخرى نصف العالم من بنغلاديش ظنًّا منها بأنها قد تحقق مستقبلا أفضل لأطفالها. سمعنا العشرات من القصص عن الفقر المدقع، وانعدام وجود آفاق مستقبلية، وحتى عن حالات سوء معاملة واعتداء جنسي. الأسباب الكامنة خلف الهجرة معقدة بحق ولا نسأل كل فرد خاطر بحياته في عرض البحر عن السبب الذي دفعه إلى ذلك.
ولكن الأمر المشترك بين هؤلاء الأفراد كافة هو تواجدهم في ليبيا، وقول جميع من تحدثوا إلينا ممن كانوا على متن القارب إن البقاء في ليبيا لم يكن خيارًا مطروحًا. قالوا إن الوضع الأمني في ليبيا رديء للغاية بحيث يحتمل أن يتعرّض الرجال والنساء والأطفال إلى الخطف والسجن في أي وقت من اليوم أو الليل، فضلًا عن احتمال تعرضهم لأنواع كثيرة من الإساءة.
وجهود الاتحاد الأوروبي لمنع إزهاق الأرواح في البحر من خلال تعزيز عمليات مراقبة الحدود، وزيادة العسكرة، والتركيز على تعطيل شبكات تهريب البشر، لم تؤدِّ سوى إلى حالات غرق أكبر للأفراد عوضًا عن تقليلها. وسرعان ما قامت شبكات التهريب التي لا ضمير لها بتكييف طريقة عملها ليُضحي عبور البحر أشدّ فتكًا بالأرواح. وتُعرّض الاتفاقيات مثل اتفاق تركيا والاتحاد الأوروبي واتفاق إيطاليا وليبيا، حقوق الإنسان واحترام إجراءات الحماية الدولية للخطر ولا توفّر أي طريقة تُبيّن كيف تؤخذ بعين الاعتبار نقاط الضعف والاحتياجات الفردية. لهذا السبب، نحن ندين بشدة هذه التدابير السياسية ونطلب تعليق هكذا اتفاقيات مع البلدان الثالثة.
• كيف تُعلّقون على تنامي ظواهر خطيرة مثل الإتجار بالبشر والتهريب كنتيجة لظاهرة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط؟
السياسات الحالية لإغلاق الحدود وتجريم المهاجرين من قبل دول الاتحاد الأوروبي وشمال أفريقيا تدفع بمن يلتمسون الأمان بشكل متزايد إلى الوقوع في أيدي المهربين. ويرتكب هؤلاء المهربون أفعالا أشدّ وحشية كل يوم. وتشمل الانتهاكات التي أبلغ عنها من قمنا بإنقاذهم تعرّضهم من قبل المهربين أو مجموعات أخرى إلى العنف (بما فيه العنف الجنسي)، والاحتجاز التعسفي في ظروف لا إنسانية، والتعذيب، وأشكال أخرى من سوء المعاملة، والاستغلال المالي، والعمل القسري. والطريقة الوحيدة لمعالجة ذلك هي توفير بديل قانوني لالتماس الأمان غير الطرقات السرية.