لقد جرى توقيع اتفاقية باريس للمناخ سنة 2015 بصفته اول اتفاق عالمي بشأن المناخ. وجاء عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في باريس في 2015. ويقوم اساسا على ضرورة احتواء الاحترار العالمي لأقل من 2 درجتين على ان يتم إعادة النظر في الأهداف المعلنة بعد خمس سنوات. وقد سبق ان اعلن ترامب خلال حملته الانتخابية انه يريد الانسحاب من هذا الاتفاق وها هو اليوم ينفذ ما وعد به ناخبيه ...
اتساع الهوة
وحقيقة الحال أنّ الانسحاب الامريكي من اتفاقية المناخ يخفي في طياته خلافات كبيرة بدأت تتصاعد بين القوى الكبرى والمؤثرة في العالم ،لاسيما بين امريكا وقادة اوروبا ..وهذه الخلافات لا تحمل فقط طابعا بيئيا او مناخيا فحسب بل هي تتعلق بالصراع من اجل السيطرة والنفوذ والذي يأخذ اشكالا عديدة حول العالم، سياسية واقتصادية وتجارية وعسكرية وغيرها .. في هذا السياق اكد رامي خليفة العلي استاذ الفلسفة السياسية في جامعة باريس لـ «المغرب» ان هناك حالة من الصدمة على مستوى الطبقة السياسية الاوروبية بالرغم من ان قرار امريكا كان متوقعا منذ اجتماع الدول الصناعية السبع رغم كل محاولات الرئيس الفرنسي ماكرون اقناع نظيره الامريكي ترامب بعدم الخروج من اتفاقية باريس للمناخ .
وأضاف :«لكن القرار حدث وهناك ردة فعل من قبل القادة الاوروبيين والبيان الثلاثي ما بين دول فرنسا ايطاليا وألمانيا والحديث المباشر لماكرون يدل على اهمية هذا القرار ومدى تأثيره . كما حذرت رئيسة بلدية باريس من النتائج الكارثية لهذا القرار على المناخ وكوكب الارض لأنه لم يعد هناك اعتراف من قبل الولايات المتحدة -وهي اكبر ملوث في العالم -بهذه المشكلة».
وأشار العلي ان الرئيس الامريكي وأثناء حملته الانتخابية كان يشير الى ان هذه المشكلة ليست حقيقية وأنها مبرر للضغط على الصناعة الامريكية ..وبحسب محدثنا فان المؤشر الاهم والأبرز هو ان التوافق الاستراتيجي الذي كان على امتداد العقود الماضية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية بين ضفتي الاطلسي لم يعد موجودا وان هناك هوة باتت تفصل ما بين المواقف الامريكية والأوروبية على حد قوله .
تغير التحالفات
ورأى استاذ الفلسفة السياسية ان التحالفات على المستوى الدولي بدأت تتغير. فعلى مستوى المناخ هناك توافق بين الجانب الاوروبي والصيني وبالتالي الدول الاوروبية الآن تزمع الوقوف بوجه السياسات الامريكية الجديدة وسياسة الرئيس ترامب والتعاون فيما بينها من اجل ذلك ..وأشار الى ان خطاب ماكرون ولئن كان له فوائد انتخابية إلا انه اكد بشكل واضح ان فرنسا مصممة على الاستمرار بهذه الاتفاقية وانه لا مجال لإعادة التفاوض على بعض النقاط. وتابع بالقول :»اذن نحن نشهد امتدادا لأزمات وهناك هوة بدأت تفصل ويبدو ان الفترة القادمة ستشهد تصاعدا في الخلافات، بين الطرفين خصوصا ان اوروبا مستمرة وماضية سواء في اتفاقية المناخ او في الدفاع عن نفسها وفي بناء قوة ذاتية. وهناك شعور بالقلق والتوجس لدى شرائح واسعة من الطبقة السياسية الاوروبية والرأي العام الاوروبي »..
أي بديل
هل اعطى دونالد ترامب اية ضمانات او بدائل عن هذه الاتفاقية ؟ ، يجيب محدثنا ان الرئيس الامريكي حاول ان يعطي انطباعا للرأي العام الامريكي بأنه مصمم على انفاذ جميع الوعود الشعبوية التي قطعها خلال الحملة الانتخابية ويوضح بالقول :«هذه الاتفاقية لن تدخل حيز التنفيذ إلا في موفى سنة 2020 اي بعد انتهاء عهدة ترامب الرئاسية . و بالرغم من ان هذه النقطة مفيدة لبعض القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة ولكنها ستضر قطاعات اخرى اقتصادية فقد دفعت الادارة السابقة بأموال ضخمة في استثمارات من اجل الطاقة المتجددة وطاقة الرياح .
واضاف محدثنا :«يبدو أن إدارة ترامب تتعامل مع المكاسب الآنية بغض النظر عما يمكن أن تؤثر به تلك السياسات على الولايات المتحدة استراتيجيا وعلى المنظومة الدولية وخاصة ان هناك خللا بدأ يعتري العلاقات الدولية. واضاف :«العلاقة بين البيت الأبيض والمؤسسات تبدو متخبطة وغير واضحة ومتعارضة في كثير من الأحيان، وهذا انعكس على السياسة الخارجية الأمريكية التي إلى الآن تبدو ضبابية وغير واضحة. وينعكس ذلك في بدء تصعيد ضد طرف ثم يخفت كما حدث مع كوريا والنظام السوري. اما فيما يتعلق بالعلاقة مع أوروبا فأجاب :«يبدو ترامب مصمما على انهاء التحالف التاريخي بين أوربا والولايات المتحدة، ويتبدى ذلك في سلسلة من الإجراءات منها عدم التعهد صراحة من ترامب بالالتزام بالمادة الخامسة من اتفاقية حلف الناتو وكذا السياسات الحمائية التي يعد بها، ثم الانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ وغيرها من السياسات والتصرفات التي يجدها الشركاء الأوربيون غير مسؤولة. وبالتالي كل هذا يترك حالة من القلق والتوجس لدى أوروبا وقادتها».
واكد العلي ان هناك وجها آخر للخلاف الامريكي الاوروبي وهو الجانب التجاري . فالمانيا خلال السنوات الماضية بدأت تكون رائدة في مجال الطاقة المتجددة والرئيس الامريكي اشار سابقا الى اختلال الميزان التجاري العالمي لصالح اوروبا والمانيا تحديدا ..اذن هناك حرب تجارية خفية تدور اليوم هي جزء من حروب اخرى تجرى على المستوى المعلوماتي والسياسي والعسكري حول العالم..