ليلة الخميس على الساعة التاسعة قام إرهابي بهجوم مسلح ضد حافلة شرطة في شارع «الشانز إيليزي» بقلب باريس قاتلا شرطيا و جارحا إثنين آخرين قبل أن يقوم أعوان الشرطة المتواجدين على عين المكان بتصفيته. الإرهابي الذي يدعا كريم الشرفي، حسب ما صرحت به الشرطة، هو حسب المعطيات الأولى فرنسي من أصل مغاربي. و حجزت الشرطة في سيارته من نوع «أودي» بندقية صيد و ذخيرة و أسلحة بيضاء.
إرهابي آخر من أصل تونسي؟
وإن لم تؤكد الشرطة أصل عائلته فإن بعض شهود العيان في حيه السكني أشارت إلى أنه تونسي الأصل. و ثبت للشرطة أن له سوابق عدلية و ثمت إدانته في عمليات اجرامية و في قضية اعتداء مسلح على أعوان الشرطة تم سجنه من أجلها عام 2005 لمدة 15 سنة. و ذكرت الشرطة أنه انخرط داخل السجن في الإسلام الراديكالي. لكن قضت المحكمة بإطلاق سراحه و وضعه تحت الرقابة مما مكنه من تحضير هجمته الإرهابية في باريس. وهو ما فاقم الجدل بين المرشحين للرئاسة حول «تخاذل» أجهزة الأمن و القضاء و عدم جدية الوسائل المستعملة للقضاء على ظاهرة تجنيد الشباب من قبل التنظيمات الإرهابية الإسلامية.
و قامت أجهزة الأمن مباشرة بإيقاف ثلاثة أفراد من عائلة كريم الشرفي للتحقيق معهم و حجزت آلات إلكترونية و هواتف جوالة و كمبيوتر للتثبت في سجلات اتصالاتها قصد الوصول إلى الشبكة التي ينتمي إليها الإرهابي. و قام تنظيم داعش الارهابي مباشرة بعد الهجوم بتبني العملية منوها ب «جندي الإسلام» الحامل اسم «أبو يوسف البلجيكي». لكن الشركة الفرنسية تمكنت من التأكد من هوية الإرهابي المقتول. وهو ما يطرح أسئلة حول إمكانية وجود إرهابي آخر طليق في شوارع فرنسا. وقد أعلنت الشرطة البلجيكية أنها أخبرت فرنسا منذ يوم بتنقل إرهابي بلجيكي إلى باريس يوم الخميس. وأعلنت مرة ثانية أن الإرهابي المشتبه فيه قد سلم نفسه لمركز شرطة مدينة «أنفارس» البلجيكية و كان يحمل بطاقة سفر لفرنسا.
إيقاف الحملة الإنتخابية
مباشرة إثر العملية التي حصلت في وقت كان المرشحون الأحدى عشر يشاركون في آخر مناظرة تلفزيونية أعلن الرئيس الفرنسي عن عزم الدولة إنجاح العملية الانتخابية بالرغم من التهديدات و دعا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي الذي اتخذ صبيحة يوم الجمعة إجراءات إضافية لحراسة المرشحين. وقد قرر جلهم إيقاف الحملة و عدم المشاركة في الاجتماعات الشعبية المبرمجة والاقتصار بتدخلات في التلفزيونات والإذاعات الفرنسية.
وسجلت ردود فعل المرشحين اختلافات في تقييم الوضع و في الاقتراحات الرامية إلى مقاومة ظاهرة الإرهاب. و كانت مارين لوبان في طليعة المنادين بمقاومة الإرهاب و بالرجوع إلى مراقبة الحدود واتهمت حكومات اليمين واليسار بالتخاذل وبافشال المساعي الرامية للقضاء على الظاهرة الإرهابية. في نفس الوقت استغل فرنسوا فيون الوضع لتفادي التأخر في استطلاعات الرأي بتقديمه في خطاب للتلفزيونات الفرنسية صباح امس حزمة من الإجراءات التي يرمي إلى اتخاذها للقضاء على ما يعتبره «الدكتاتورية الإسلامية» و التي تتمحور حول سجن المشبوه فيهم و ترحيل الأجانب المتورطين في شبكات إرهابية ونزع الجنسية عمن أدين في أعمال ضد المصالح الفرنسية. و كرر المرشح إيمانويل مكرون موقفه المعادي للإرهاب وتمسكه بحرية شعبه وبالتزامه بمقاومة الراديكالية الإسلامية دون أن يخلط بين الإرهابيين و المواطنين المتدينين. باقي المرشحين نددوا بالعملية دون الدخول في تقديم إجراءات جديدة.
وفي غير عادته أعلن الوزير الأول في خطاب للشعب معارضته للانتقادات الواردة من مارين لوبان و فرنسوا فيون. وعدد كل الإجراءات المتعلقة بمراقبة الحدود المفروضة منذ 2015 و عمليات ترحيل الأجانب الذين ارتفع عددهم إلى 177 إرهابيا. و قال الوزير الأول أنه تمكن من منع 80 ألف شخص من دخول التراب الفرنسي. وهاجم بشدة المرشحين واعتبر أنهما استغلا الوضع لأغراض سياسوية وأنهما بعيدان عن حقيقة الوضع.
يبقى السؤال مطروحا في أجهزة الإعلام و في مراكز الأحزاب: هل يخدم الهجوم الإرهابي المرشحين اليمينيين مارين لوبان و فرنسوا فيون؟ خاصة أنهما أكدا معاداتهما للإرهاب «الإسلامي» وقدما مقترحات قاسية يمكن أن تدخل البلاد في حملة واسعة ضد المنظمات الإسلامية المتهمة بالراديكالية و أن تغير الموقف الفرنسي الرسمي تجاه حركة الإخوان المسلمين الممثلة في حركة إتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا («مسلمو فرنسا» حاليا). مع انتهاء الحملة الانتخابية اليوم تبقى ضبابية التوقعات سيدة الموقف. ولم يسبق أن سجل المشهد السياسي الفرنسي من قبل مثل هذا الوضع.