ولعل كسر ترامب لبروتوكلات البيت الابيض وإقامته مأدبة غداء على شرف ضيفه كانت خطوة غير عادية باعتبار انها تقام في العادة ووفق تقاليد البيت الابيض على شرف رؤساء الدول لا السياسيين مهما كانت رتبهم.
هذا الود الجديد بين الرياض وواشنطن سبقه عداء واضح دلّت عليه تصريحات ساكن البيت الابيض الجديد خلال حملته الانتخابية وعقب فوزه ايضا وخلال خطاب تنصيبه ، وكلها كانت تصب في خانة العداء الواضح للمملكة العربية السعودية وصلت حد اتهامها برعاية الخطاب الارهابي المتطرف. ويرى مراقبون ان تجاوز الخلافات بين البلدين ربطه ترامب بتقديم تنازلات من جانب الرياض وهو مايبدو انه قد تم من خلال استثمارات قدرت بأكثر من 200 مليار دولار لصالح الولايات المتّحدة الأمريكيّة .
ولطالما قالها ترامب بشكل صريح ان بلاده لن تخوض حروبا عوض دول اخرى ومؤكد ان من ستحميه امريكا «عليه ان يدفع» .وباعتبار العداء الكبير بين دول الخليج وعلى راسها السعودية مع ايران نتيجة تنامي نفوذها يبقى خيار التحالف مع امريكا وإدارة البيت الابيض الجديدة مع عدائها الواضح لطهران هو الخيار الانسب للمملكة.
جني ثمار العداء مع ايران
يشار الى انّ التّجربة الصاروخيّة النّاجحة الّتي نفّذتها ايران منذ شهرين أثارت غضب الولايات المتحدة الامريكية وخلقت توتّرا متصاعدا وحربا كلامية شرسة بين البلدين ، ففي البداية سارعت واشنطن بإعلان فشل التّجربة التي قامت بها ايران وهو مانفته الأخيرة أمس مؤكّدة «النجاح الكبير» لتجربتها الصاروخية .
هذا التصادم السريع بين ادارة ترامب الجديدة وإيران حمل في طياته ارهاصات مشهد معتم في منطقة الشرق الاوسط اذ يرى متابعون للشأن الدولي ان هذا الجفاء الايراني الامريكي سيكون ذا فائدة لعدة اطراف اقليمية على رأسها المملكة العربية السعودية التي بدأت في التقارب مع الادارة الامريكية الجديدة وهو ماحصل فعلا خلال زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى واشنطن .
ومع اعتلاء الرئيس الامريكي الجديد سدة الحكم في امريكا وبالنظر الى فريق البيت الابيض الذي شكله بالإضافة الى تصريحاته المتتالية حول ايران وآخرها تصريحه أن إدارة سلفه باراك أوباما ألقت طوق النجاة لطهران التي «كانت على شفا الانهيار». ويرى مراقبون انّ سياسة امريكا تجاه ايران ستشهد تحولا وتصادما كبيرين خصوصا وان ترامب عين جنرالا امريكيا معروفا بعدائه وتخصصه في الشأن الايراني. ويرى متابعون ان هذا الجفاء بين واشنطن وإيران مرتبط بالتقارب بين السعودية وأمريكا على اساس المصالح المتبادلة للطرفين في منطقة الشرق الاوسط ، والذي بدأت ملامحه تتضح من تصريحات السلطات السعودية حول نيتها الاستثمار بمليارات الدولارات في الولايات المتحدة الامريكية مقابل تأكيد ادارة ترامب على ان الرياض شريك اساسي في المنطقة العربية .
ويؤكد متابعون للشأن الامريكي انّ الجانب السعودي فهم الرسالة وتجاوب معها بإبرام اتفاقات اقتصادية ضخمة يعود بموجبها الحلف التقليدي بين الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية الى سالف عهده من الدفء. وتداولت وسائل اعلام امريكية ان اللقاء الذي جمع ترامب بمحمد بن سلمان تطرق بالأساس الى ملفي محاربة الارهاب والدور الايراني في الشرق الاوسط ،وبالنظر الى علاقة ترامب العدائية بإيران فان الرياض استغلت ذلك لتعرب عن دعمها اللامتناهي لسياسة البيت الابيض الجديدة تجاه طهران.
«استفادة مالية لاسياسية»
من جهته قال الكاتب العراقي المختصّ في الشؤون الأمريكية د .جاسم البديوي في حديثه لـ«المغرب» انّ ادارة ترامب تريد اشراك السعودية في جهودها للحرب ضد «داعش» الارهابي ، مضيفا انّ ترامب رجل اعمال يحاول الاستفادة من الفرصة اقتصاديا وماليا اكثر من الجانب السياسي .
وأكد البديوي ان ترامب كان شدّدابان حملته الانتخابية على موضوع التصدي للإرهاب وحماية الولايات المتحدة الامريكية ، ومن الواضح انه يتخذ خيارات كانت تتماشى بالضد مع خيارات الديمقراطيين ووصل به الامر الى اتهام كلينتون واوباما بأنهم من صنعوا «داعش».
وأشار محدّثنا الى انّ «الرئيس ترامب في حملته ركز على موضوع «داعش» ولم يكن حريصا في كثير من تصريحاته وهذا ماسبّب له مشاكل يجني ثمارها الان ، فترامب تراجع عن تنفيذ ماوعد به خلال حملته فهو الى الان لم يقدم شيئا حقيقيا من جملة وعوده» .
وبخصوص التقارب مع السعودية اجاب محدّثنا ان ادارة البيت الابيض الحالية لم تنجح في الايفاء بما وعدت به ، اذ نجحت فقط في استعداء البلدان وفي استعداء الكثير من فئات المجتمع الامريكي منها سخريته من السعودية ورؤيته التي تقول «ادفع كي احميك» ، مضيفا انه يعلل ذلك بان الولايات المتحدة تخسر الكثير من الاموال في الحروب دون ان يعود ذلك بالفائدة على المؤسسة العسكرية . وتابع محدّثنا :«من خلفية ترامب التجارية والاقتصادية يحاول ان يصنع تفاهمات مالية واشتثمارات بينه وبين شركاء في الشرق الاوسط ، ويبدو انه استثمر هذه النقطة مع المملكة العربية السعودية خصوصا بعد الزيارة الاخيرة لولي ولي العهد محمد بن سلمان ».
أبعاد التقارب
وعن ابعاد العلاقة الجديدة التي قد يرى البعض انها منعطف او متغير في تعاطي ترامب مع الرياض ، قال محدّثنا ان «الوجود الايراني المتنامي في الشرق الاوسط وبعد ان قطعت ادارة اوباما شوطا كبيرا في جر ايران نحو السلام (الاتفاق النووي وغيرها من الاتفاقات) وماعقب ذلك من فترة واعدة تؤدي فيها ايران دورا ايجابيا في سوريا ، الا انّ العلاقة الاخيرة بين ترامب والسعودية لم تخل من مخاوف بين الطرفين فالسعودية تخاف من دور ايران وتخشاه خصوصا بما منحته ادارة اوباما من دور اكبر لطهران ومن جانب اخر نرى انه من الجانب الامريكي تم وضع اللمسات الاخيرة على قانون يحاسب الضالعين في احداث 11 سبتمبر ، بالتالي كل هذا استلزم تقديم السعودية لتنازلات تكون فيها في صف الحلف الامريكي ضد ايران وهي تنازلات اقتصادية».
وتابع محدثنا «الجهود التي قامت بها الادارة السابقة لم ترق لإدارة ترامب الذي يرى بان مابناه سلفه هو باطل ومبني على خراب ،وهو سبب خراب وضعف امريكا بالتالي فهو يحاول اعادة بناء الولايات المتحدة الامريكية عبر بناء تفاهمات جديدة ، كما يبدو ان التفاهم الامريكي السعودي الاخيرة يأتي في هذا السياق».
وعن التحالف الامريكي مقابل العداء الواضح الذي تكنه ادارة البيت الابيض للمسلمين قال محدّثنا ان إدارة ترامب مسؤولة عن طرح مفهوم ومصطلح يكرس لحالة من العنصرية الطاغية وهو مفهوم «الارهاب الاسلامي»، مضيفا ان هذا المفهوم الذي كانت إدارة اوباما تنأى بنفسها عنه يبدو انه قد اخذ بالتمدد في الدوائر الرسمية الامريكية ويبدو ان الطرف الاخر (المملكة العربية السعودية) ليس معنيا بالتعريفات الا انه معني بالمصالح التي سيجنيها وفق تعبيره.
سياسة تصفير المشاكل مع دول الجوار
وأشار محدّثنا الى ان هذا التوافق الامريكي السعودي جاء بشروط امريكية من بينها فرض عدة متغيرات مثل طبيعة العلاقة بين الرياض وبغداد في مسالة التصدي لـ»داعش» ، وهو ماظهر واضحا من خلال زيارة الوفد السعودي الاخيرة الى العراق بعد سنوات من الجفاء والعداء وهو مايدل على التفاهم بين البلدين الذي ينذر بتفاهمات ايضا في ملف الحرب ضدّ «داعش» رغم وصول المعركة الى نهايتها مع قرب تحرير اخر معاقل
«داعش» الرسمية في الموصل».
وتابع البديوي ان من ضمن اشتراطات ادارة ترامب هو تطوير العلاقة او تصفير المشاكل مع الحكومة العراقية وتوحيد الجبهة ضد «داعش» رغم ان معركة «داعش» في العراق وصلت الى اخر مراحلها على حدّ قوله .
واضاف ان السعودية تبحث عن دور في هذه المواجهة بعد دورها السابق الذي كان لها في التحالف الدولي والتحالف السني ذي النتائج المعدومة ،مشيرا الى وجود رغبة امريكية في انخراط السعودية في جهود محاربة «داعش» بشكل او بآخر.