ومتابعة سير الحرب ضد «داعش» الارهابي ، فإنّ متابعين للشأن العرافي يرون انّ الزيارة تحمل اهدافا خفية لعل اهمها السعي الى إعادة الاشعاع للدور الفرنسي المتراجع في منطقة الشرق الاوسط في ظل تغير موازين القوى والتحالفات .
وأكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال لقائه رئيس الجمهورية العراقي فؤاد المعصوم ورئيس الحكومة حيدر العبادي على أن «التحرك ضد الإرهاب في العراق يساهم أيضاً في حماية بلادنا من أعمال إرهابية » متوقعا أن يكون عام 2017»عام الانتصار على الإرهاب». وأضاف هولاند في المرحلة الأولى من زيارته إلى العراق برفقة وزير الدفاع ايف لودريان، أن «أي مشاركة في إعادة الإعمار في العراق تؤمن شروطاً إضافية لتفادي أن يشن داعش أعمالاً على أرضنا». وتابع هولاند: «التحدي هو استعادة الموصل، ولتحقيق ذلك عليكم في الأسابيع المقبلة تدريب ودعم ومرافقة القوات العراقية، وتقديم أفضل المشورة إليها».
الدور الفرنسي في العراق
ورغم مرور اكثر من عامين على انطلاق حملة التحالف الدولي العسكرية لمحاربة تنظيم «داعش» الارهابي في سوريا والعراق، فان زيارة هولاند تعدّ الاولى للزعماء الاوربيين الذين يشاركون دولهم في التحالف.
ويربط متابعون للشأن العراقي الزيارة بالمتغيرات الاخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط مؤخرا وسوريا بصفة خاصة من تغير لموازين القوى وتراجع الدور الامريكي مقابل صعود نجم روسيا في المنطقة ، وهو مايفرض اصطفافا جديدا من شأنه اعادة تشكيل خارطة المنطقة والفاعلين الخارجيين فيها . اذ يرى محللون انّ فرنسا تحاول من خلال زيارة هولاند ضمان دور لها في المشهد ، خصوصا مع قرب استلام الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب مقاليد الحكم في 20 جانفي الجاري وما يمكن ان تحمله سياسته من تغيرات في سياسة الغرب في الشرق.
وتشارك فرنسا بقوة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحد الامريكية في الحرب ضدّ الارهاب بواسطة 14 طائرة مقاتلة من نوع «رافال» تتمركز في الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة الى 500 جندي في العراق يقومون بتدريب القوات الخاصة العراقية بواسطة 4 مدافع من نوع «كايزار» جنوب الموصل دون المشاركة مباشرة في المعارك الميدانية .وتؤكد تقارير اعلامية انّ الطائرات الفرنسية نفذت منذ التحاقها بالتحالف في سبتمبر 2014 مايفوق الـ 5700 طلعة جوية و100 غارة ودمرت أكثر من 1700 هدف في العراق وسوريا. يشار الى انّ منطقة الشرق الاوسط هي احدى جبهات القتال التي تشارك فيها باريس الى جانب القارة الافريقية .
زيارة سياسية
في سياق متصل قال الكاتب والباحث العراقي نصيف جاسم حسين لـ»المغرب» انّ زيارات مسؤولين كبار مثل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تقع في هذا السياق ، مؤكدا انها جاءت لمناقشة الامور السياسية في المنطقة وليس العسكرية.
وتابع الكاتب العراقي «هناك تحالف دولي ينسق الاعمال القتالية ضد داعش لن يوقفه رأي العبادي او معصوم ، يراد من العراق « أن يدفع» وكلما دفع العراق اكثر كلما كان ذلك افضل ، بالتالي ليس من المنطقي ان نفترض ان هولاند قدم الى العراق من أجل مصلحة العراق لكن ثمة منطقة وسطى تلتقي فيها مصلحة العراق مع مصالح فرنسا وكذلك مع مصالح بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا وإيران وغيرها».
واضاف محدّثنا ان القضاء على «داعش» اصبح اولوية قصوى خاصة بالنسبة لفرنسا ، التي عانت كغيرها من الدول وفق تعبيره من تبعات تأخر عملية القضاء عليه . واشار الكاتب العراقي الى وجود عدة مشاكل اخرى مرتبطة مع بعضها في المنطقة مثل الاٍرهاب في سوريا ووقف إطلاق النار فيها و الأحداث الاخيرة في تركيا وما يمكن ان يجره انتخاب ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة من اعادة ترتيب التحالفات في المنطقة .
وعن امكانية ان تكون زيارة هولاند محاولة فرنسية لاستعادة دورها المنسي في المنطقة امام تزايد النفوذ الامريكي والروسي اجاب محدّثنا ان انتخاب ترامب سيرسم خارطة تحالفات جديدة في المنطقة.
وتابع ‘’اعتقد ان هولاند - وقد أكون مخطئا - سيطرح فرنسا بديل عن الولايات المتحدة كحليف للعراق في حربه ضد ‘داعش’ بعد ان قرأ ان تصريحات ترامب في ما يتعلق بالسيطرة على نفط العراق ستواجه رفضا عراقيا مؤكدا ، وهو يريد تأكيدات من العراق من المضي في تبني سياسة حليف معهم «.
تنافس الغرب في الشرق
وأكد الكاتب العراقي انّ التنافس الغربي على منطقة الشرق أوسطية ليس جديدا ، بما في ذلك ما يحدث الآن في سوريا وليبيا والعراق على حد تعبيره .
وتابع محدثنا «ما نأمله نحن أبناء المنطقة ان لا يكون التنافس دمويا، وأن يكون التنافس في تقديم الآخرين لنا خيارات اقتصادية وثقافية نختار منها ما يتناسب مع اوضاعنا لا أن يطرح كل طرف خياره كحل وحيد اما ان نقبل به كله او نرفضه كله بين ان نكون حلفاء 100 ٪ او أعداء 100 ٪ ، هذه ليست من السياسة في شيء ، فالآخرون يعملون بطريقة التنافس البناء في ما يتعلق ببلدانهم وفيما بينهم فيما نحن ساحات خلفية لليّ الأذرع بين المتنافسين الكبار والصغار»
وأشار محدّثنا الى ان أمريكا ستطرح رؤية وحيدة لعلاقتها مع العراق اما ان يقبل بها العراق او لا يقبل ، مضيفا ان على القيادة العراقية ان تفكر في إيجاد بدائل منذ الآن عن علاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية في ظل حكم ترامب بدل الذهاب باتجاه دول إقليمية لإيجاد بدائل ممكنة وموازية لهذا الحليف القوي .
وشدّد جاسم حسين على ان القيادة العراقية عليها ان تعي ان الزمن القادم صعب جدا ،باعتبار ان الولايات المتحدة ستتعامل مع كل الأوضاع في المنطقة من نظرة احادية الجانب ماذا يمكن ان تستفيد» اقتصاديا» من استمرار دعمها للعراق وماذا ستخسر لو تركته.