وأعنلت القوات الليبية أمس سيطرتها على آخر منطقة من سرت وهي الجيزة البحرية ، تلته احتفالات جابت الشوارع الليبية ترحيبا بعودة المدينة وتحريرها من «داعش» الإرهابي الذي سيطر عليها بداية سنة 2015 .
وتكتسي مدينة سرت أهمية إستراتيجية بحكم موقعها الجغرافي على امتداد الساحل، وهي قريبة من اكبر الحقول النفطية الليبية ، كان سقوطها في قبضة «داعش» ضربة للواقع الأمني في ليبيا خاصة وانّ الفوضى السياسية والأمنية كانت في أوجها في ذلك الحين في ظل تعثر فرص التسوية بين أطراف الصراع. وبعد أشهر قليلة من التوقيع على اتفاق التسوية التاريخي يوم 17ديسمبر 2015 بمدينة الصخيرات المغربية ،أعلن المجلس الرئاسي الليبي بقيادة فايز السراج عن انطلاق عملية البنيان المرصوص العسكرية يوم 11 ماي 2016 لتطهير مدينة سرت من الدواعش.
هل انتهى «داعش» ليبيا؟
إلا أن التشكيكات حول مدى تأثير ذلك على نفوذ التنظيم في ليبيا خصوصا في ظل التقارير التي تؤكد وجود نفوذ لهذا التنظيم في عدة مدن ليبية أخرى حتى وان كان متفرقا ، وفي نفس السياق اعتبرت فرنسا و السلطات الليبية أيضا أن استعادة مدينة هي «خطوة مهمة إلا أنها لا تعني أن النزاع مع التنظيم الإرهابي قد انتهى».وقال وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان في دكار خلال مشاركته في منتدى حول السلام والأمن في إفريقيا «أن هزيمة داعش في سرت خطوة مهمة جدا، إلا أنها ليست سوى مرحلة، والأمر لم ينته بعد، لان هناك مجموعات توزعت على أراض شاسعة، كما أن هناك من ينتمي إلى تنظيم القاعدة».
ورغم التشكيكات في قدرة هذه العملية على طرد «داعش» الارهابي نتيجة الخلافات المستمرة بين حكومة الوحدة الوطنية والمؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ، تمكنت قوات البنيان المرصوص بدعم جوي أمريكي من تحجيم نفوذ تنظيم «داعش» الإرهابي بعد أن كان يسيطر على 9500 كلم في مدينة سرت والبلدات المجاورة كما فاق عدد قتلى تنظيم «داعش» الإرهابي الـ1500 قتيل من جنسيات مختلفة وقُتل أكثر من 700 من مقاتلي الكتائب وأصيب ما يزيد على 3200 آخرين .
ونتيجة نجاح»داعش» الإرهابي في خلق موطئ قدم له في ليبيا ، وذلك بعد تراجع نفوذه في كل من سوريا والعراق في جذب المقاتلين إلى ليبيا هربا من الضربات الجوية المكثفة للتحالف الدولي هناك، تحولت بلاد عمر المختار إلى قاعدة هامة لهذا التنظيم الإرهابي في شمال إفريقيا. ونتيجة تزايد النفوذ الإرهابي جاء الدور الأمريكي في ليبيا حيث شنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية شهر أوت 2016 ما لا يقل عن 495 غارة جوية على تنظيم «داعش»في سرت.
ولا تزال ليبيا تشهد اضطرابات أمنيّة وسياسيّة بعد خمس سنوات على الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي. حيث تواجه حكومة فايز السراج حزمة من العراقيل للحفاظ على تماسكها أمام تزايد الخلافات علاوة على صعوبة تحقيقها اختراقات في المشهد السياسي الذي لطالما شابته الفوضى والانقسام لما يفوق الـ6 سنوات .
فوضى سياسية
ويرى مراقبون ان تزامن الفوضى السياسيّة في ليبيا خلال هذه الفترة مع بروز دور كبير للميليشيات المسلحة باختلاف ولاءاتها وتوزع مقاتلي «داعش» الارهابي الهاربين من الضربات الجوية والعملية العسكرية ضدّهم ،ودخولهم في صفوف الليبيين يزيد من خطورة المشهد الأمني هناك ، خصوصا انّ تحدي تحقيق انتقال ديمقراطي في ليبيا مازال يؤرق حكومة الوحدة الليبية ويهدد بنسف جهود المجتمع الدولي الداعم لها،علما وان حكومة السراج تواجه ضغوطات الدّاخل والخارج بعد فشلها في تفعيل دورها في إدارة شؤون ليبيا وتجاوز الخلافات السياسية.
وتعي حكومة فايز السراج أنّ العراقيل والصعوبات التي تواجهها في سيرها نحو إعادة الاستقرار إلى البلاد تزايدت منذ استلام مهامها ،إلاّ أن استمرار الخلافات وعودة بذور الصراع إلى الواجهة ،علاوة على استمرار ازدواجية السلطة في ليبيا ،كل ذلك وضعها في وضع صعب يفرض عليها ضرورة تجاوز هذه المرحلة الحرجة . ويحاول المجتمع الدولي جاهدا إنجاح عمل حكومة الوحدة الليبية وضمان عدم رجوع المشهد إلى نقطة الصفر بعد الاجتماعات الماراطونية والجهود المضنية لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع في ليبيا. وفي آخر تحرك أممي دعا مارتن كوبلر المبعوث الاممي في ليبيا في إفادته أمام أعضاء مجلس الأمن خلال اجتماع لبحث الأزمة الليبية الثلاثاء المنقضي إلى « ضرورة مواجهة جميع القضايا السياسية العالقة، بما في ذلك تسلسل القيادة في الجيش الليبي، ومواجهة ملف الجماعات المسلحة في طرابلس، وتداعيات محاربة الإرهاب، لاسيما فيما يتعلق بالانتعاش الاقتصادي في سرت وطرابلس ومعالجة الأمور الأساسية في الاقتصاد الليبي مثل عجز الموازنة والتضخم ونقص السيولة، في حين تتعلق الخطوة الخامسة بأوضاع حقوق الإنسان وسيادة القانون، والخطوة السادسة والأخيرة في حتمية عودة بعثة الأمم المتحدة إلى طرابلس».