ما جاء على لسان القطراني يتضارب مع المرونة التي ميزت تصريحات رئيس حكومة الوفاق المكلّف فائز السراج ونائبه فتحي المجبري ،اللذين أكدا باستمرار بأنه لا خلافات بين الرئاسي والقائد العام للجيش ولا مجلس النواب في طبرق باستثناء النقطة المتعلقة بصلاحيات القائد العام للجيش.
ويرى متابعون للشأن الليبي في شقه السياسي بأن التصريحات النارية من هنا وهناك كان لها ومازال الأثر السلبي على حظوظ وفرص التسوية السياسية، وقد برزت عدة أسماء وشخصيات بمواقف وتصريحات وبيانات مكرسة للخلاف وتغذي الانقسام، حيث يجمع المراقبون بأن الشيخ الصادق الغرياني سواء من خلال الفتاوى الغريبة أو تعمده التدخل في الحياة السياسية كثيرا ما ساهم في تعميق الخلافات بين طرابلس وطبرق.
مواقف كتلة الوفاء للثوار زمن المؤتمر الوطني هي أيضا عرقلت تنقية الأجواء والآن نرى، ويرى المراقبون بأنّ كتلة السيادة الوطنية بمجلس النواب تلعب نفس الدور. ومن المجلس الرئاسي نجد في تصريحات عبد السلام كاجمان ومحمد العماري ما يغذي الصراع ويعرقل جهود حلحلة الأزمة كما نجد مواقف رئيس حكومة الإنقاذ الغويل التي تأخذ ذات المنحى.
سياسة كسر العظام وليّ الذراع عبر التصريحات النارية أفسدت المشهد السياسي المحلي وجعلت الحراك السياسي أشبه بالعبث السياسي ولا ينم عن وجود حالة من النضج السياسي. وفي هكذا واقع يجدر طرح السؤال الآتي: بعد ست سنوات عجاف من الثورة على القذافي وفي سياق ما يعرف بالربيع العربي هل تسير ليبيا إلى الأمام أم إلى الخلف؟
لا يختلف عاقلان بأن سفينة الليبيين سارت في الاتجاه المعاكس لما كان يحلم به ثوار 17 فبراير إذ غاب المشروع الوطني تماما وتمترست المجموعات المسلحة ، إما في المدن التابعة لها أو زحفت نحو العاصمة وسيطرت على المواقع الإستراتيجية ولم تلتفت تلك المليشيات لتأمين الحدود وحتى إن صادف تواجد مليشيا بنقطة حدودية فهو لهدف السيطرة على منفذ ومعبر حدودي للسيطرة على التهريب، وتحقيق منافع ومصالح ضيقة وليس بغرض حماية الوطن والدفاع عنه.
الدور الأمريكي في ليبيا
في الغرب وخاصة الولايات المتحدة يرون بأنّ السياسة هي فن الممكن فالولايات المتحدة الأمريكية من خلال دراسة التحولات السياسية والمتغيرات، حيث تنكب المعاهد المختصة في الأبحاث على غرار معهد المؤسسات الأمريكي وغيره على تفحص ودراسة التحولات وتحديد الخطوة المطلوبة من البيت الأبيض ولتبسيط الأمر .
تغيير الإستراتيجية الأمريكية المبني على خلق الممكن في السياسة وهذا ما لم يستوعبه الفرقاء الليبيين ولا النخب السياسية في ليبيا وانغمسوا في خلافاتهم وصراعاتهم على السلطة غير مقدرين لما يحاك ضد بلدهم.دول الجوار استشعرت الخطر القادم وهو التدخل العسكري وحذّرت تلك الدول من حدوث التدخل الغربي وحذّرت من عواقبه على المنطقة بأكملها لكن آذان الليبيين لا تسمع وأعينهم لا ترى.
الساسة الغربيون والأمم المتحدة يحاولون التقليل من مخاوف دول الجوار بالتأكيد على أن حل الأزمة الليبية لن يكون إلا سياسي وعبر الاتفاق السياسي، ولكن السؤال مرة أخرى عن أي اتفاق يتحدث الغرب والأمم المتحدة والمجلس الرئاسي عاجز تماما عن أي فعل وقد انقضى على دخوله طرابلس 10 أشهر ولم ينفذ ولو بندا واحدا من بنود الاتفاق 67؟
الاتفاق السياسي ولد ميتا وحتى لو فرضنا أنه حي فهو يلفظ أنفاسه وينتظر قائمة معارضيه تتوسع يوما بعد آخر. الشرق الليبي لا يعترف بشيء اسمه المجلس الرئاسي ولا المجلس الأعلى للدولة والحال هكذا فإن الغرب والأمم المتحدة يدرك بأن لا سبيل لتنفيذ الاتفاق السياسي ،كما انه حال ويحول دون نجاح الجيش التابع لمجلس النواب في حسم الموقف والصراع عسكريا ،وذلك بتصميم أعضاء مجلس الأمن الدائمين خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على عدم رفع خطر توريد السلاح للجيش الليبي.
الغرب يدرك أيضا بأن خلافات الليبيين كبيرة وقد زادتها سنوات الصراع كبرا واتساعا بما يعني شبه استحالة لبلوغ التسوية السلمية، وانطلاقا من ذلك يخطط الغرب للتدخل العسكري المباشر والمعلن ووقتها تصبح مخاوف دول الجوار مشروعة. لقد قامت الجزائر ومصر بكل ما يمكن فعله لدرء التدخل القادم ، اذ فتحت الجزائر ذراعيها للفرقاء الليبيين وأبدت الاستعداد للمساعدة ،وكذلك فعلت مصر وعدلت من سياستها ومواقفها تجاه الفرقاء الليبيين لعلمها بما يمكن أن يترتب على تدخل عسكري مباشر وبناء قواعد عسكرية غربية في الجارة ليبيا.