أهمية استراتيجية
مدينة الموصل العراقيّة سقطت في قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي يوم 4 سبتمبر 2014 ، لتصبح هذه المدينة ذات البُعد الاستراتيجي والسّياسي الهامّ،»الخاصرة الرخوة « للتنظيمات المتطرّفة نتيجة تداخل الأدوار الخارجيّة والداخلية وتضارب الاستراتيجيّات عقب انسحاب القوّات الأمريكيّة من العراق.
ويُرجع مُراقبون أسباب تغلغل تنظيم «داعش» الارهابي في العراق إلى انهيار المؤسسة العسكريّة عقب انسحاب القوّات الأمريكيّة و انتشار الفوضى الأمنية والسياسية في البلاد استغلته الأطراف الإقليمية والدولية (تركيا وإيران بالأساس) لخلق موطئ قدم لها في العراق ، عبر الارتباط بالأطراف المحلية الفاعلة(الأكراد ، الميلشيات الشيعية) وتقديم الدعم لها خدمة لمصالحها وتوسيعا لنفوذها .
معركة الموصل ضمّت أطرافا محلية وأخرى خارجية ممّا أدّى إلى تشابك الأدوار فيها وتضارب الاستراتيجيات أيضا ، كما واجهت هذه المعركة الحاسمة انتقادات أيضا تعلقت أساسا بتوقيتها خصوصا وانّ معركة الفلوجة لم يتم حسمها بشكل نهائي وفق تقارير إعلامية .
ويربط متابعون ذلك بالرغبة الأمريكية الجامحة في طرد تنظيم «داعش» الإرهابي من العراق قبيل انتهاء الولاية الثانية للرئيس الحالي باراك أوباما ممّا يمثل نقطة منيرة في سجل مسيرته الرئاسية خالية الوفاض إلى حدّ الآن خصوصا المتعلق منها بسياسة البيت الأبيض في منطقة الشرق الأوسط.
ويثير آخرون نقطة حساسة تتعلق بما بعد خروج تنظيم «داعش» من هذه المدينة التي كانت تعدّ معقله الرئيسي في العراق ، وما سينتج عن ذلك من ازمة نزوح كارثية بدأت ملامحها تتشكّل منذ يوم الاثنين المنقضي ، رافقتها تحذيرات دولية ، بالإضافة إلى تساؤلات ملحة عن وجهة مقاتلي التنظيم المقبلة والمقدّرة أعدادهم بالآلاف.
تداعيات مستقبلية
من جانبه قال الكاتب العراقي زياد وليد في تصريح لـ»المغرب» انّ هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في الموصل لها بُعد استراتيجي وبُعد معنوي، باعتبار إن الموصل هي العاصمة «الفعلية» لما يسمى بتنظيم «الدولة» في العراق والشام. واعتبر الكاتب العراقي أن تحرير الموصل سيكون له صدى واسع على مستوى العالم ،مشيرا إلى انّ «ذلك لا يعني أن الحرب انتهت، إذ نعتمد في مثل هذه المواقف على نوع الاتفاقات التي جرت قبل المعركة، فهناك منفذ لـ»داعش» يربطها بالأنبار، وفي الانبار ذاتها هناك مناطق لم تتحرّر بعد محاذية للحدود العراقية - السورية، ومناطق صحراوية غير مسيطر عليها تماماً». وأضاف أن الأمور تعتمد على نوعية الحسم العسكري الذي يتبع الاتفاق السياسي، والخبر الحاسم سيكون في معرفة مصير عناصر «داعش» في الموصل، هذه النقطة المفصلية، لكن الشكل العام للخطاب العالمي يوضح إن أيام هذا التنظيم باتت معدودة في العراق تحديداً وفق تعبيره.
وعن الأدوار التي تلعبها أطراف خارجية في العراق أجاب محدّثنا «بكل تأكيد لا معركة دون موافقة أمريكية، أو توجيه أمريكي، هذا أمر مفروغ منه. والاتفاقية التي حصلت جمعت كل الأطراف بما فيها حكومتي بغداد وإقليم كردستان. ، برأيي ان الأتراك شعروا أن هناك حصصا توزع دون أن يصيبهم شيءٌ منها، وعلى هذا الأساس تصاعد الخطاب التركي ضد العراق مع ان القوات التركية موجودة منذ فترة طويلة. قوبل التصعيد التركي بتصعيد عراقي عن طريق التمثيل الرسمي والاحتجاجات أمام السفارة التركيَّة، دفعتها ضغوطات عربية، وأمريكية، أفضت في نهاية المطاف إلى إعلان تركيا عن بدء سحب قواتها من العراق. يبدو إنهم حصلوا على تطمينات معينة لما يُرِيدونه من قضية نينوى وشمال العراق، وسيستخدمون الطرق السياسية لذلك».
وعن إمكانية أن تكون معركة الموصل بداية لتأسيس النظام العراقي من جديد ، اعتبر وليد أن ، الموصل -بكل تأكيد- هي شكل العراق القادم، مؤكّدا انّ الجيش يُقدم التضحيات من أجل الوطن. وأشار الكاتب العراقي إلى انّ كل الخيارات تبقى مفتوحة،» لكننا أمام خيارات ليس من ضمنها خيار العراق الواحد الموحد، إلا بالشعارات والخطب».