قالت حسيبة حاجي سهروي مديرة الشؤون الإنسانية بمركب الأكواريوس للإنقاذ في البحر المتوسط التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في حوار لـ«المغرب» إنه يجب إنقاذ المهاجرين غير الشرعيين الطامحين إلى عبور البحر المتوسط باتجاه أوروبا وتوفير ممرات آمنة وقانونية للاجئين وطالبي اللجوء .وطالبت حسيبة حاجي سهروي الدول المعنية التمسك بواجباتها الدولية وتَشارُك المسؤولية في مواجهة أكبر أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية عبر بحث الأسباب العميقة لتفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
• ما هي آخر التطورات في إطار عمليات إنقاذ المهاجرين غير الشرعيين المتوجهين إلى أوروبا، و ما هي أحدث الأرقام؟
ما بين يومي الاثنين والثلاثاء تم إنقاذ 11 ألف شخص في البحر المتوسط بالقرب من السواحل الليبية، وقد أنقذت منظمة أطباء بلا حدود وحدها ألفي شخص. حيث قامت مركبة الأكواريوس التي أحدثك من على متنها -والتي تديرها منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة إس أو إس ميديتراني- بإنقاذ 722 شخصا يوم الاثنين وكان معظمهم إريتريين هاربين من الاضطهاد والتجنيد القسري. كما أنقذنا أشخاصا صوماليين هاربين من النزاع في المنطقة وأيضًا أمَّا وطفلها من غزة. كان الطقس سيئًا في الأسبوع الماضي وهو ما يفسر العدد الكبير الذي كان يسعى فجأة إلى عبور البحر المتوسط وكان كثير منهم يحاول ذلك قبل حلول الشتاء. ومن المحزن أنه خلال الأيام الماضية توفي 28 شخصا أثناء عبورهم المتوسط، حيث أنهم غرقوا أو ماتوا اختناقًا. وقد ماتوا في ظروف مروعة لدرجة أن معظمهم لا يمكن التعرف على هويتهم وستظل أسرهم تتساءل عما حدث لهم. يذكرنا هذا بمدى خطورة عبور البحر المتوسط وكيف أن الناس يهربون من الحروب والاضطهاد ويضطرون إلى المخاطرة بحياتهم سعيًا للحصول على الحماية الدولية.
منذ بداية عام 2016، وصل ما يقرب من 140 ألف شخص إلى الشواطئ الأوروبية. ومات أكثر من 3 الاف شخص. وهذا ما دفع «أطباء بلا حدود» إلى التواجد في هذه المنطقة: لإنقاذ الأرواح. إن هؤلاء الناس ليس لديهم أي خيار غير اتخاذ هذه الرحلات الخطيرة عبر الصحراء في ليبيا وعبر البحر. حيث أنه لا يوجد لديهم أي طريق آخر للحصول على الحماية الدولية.
كان ربع من أنقذناهم خلال عملية الإنقاذ الأخيرة من النساء، وكثير منهم تتراوح أعمارهم بين 16 و 17 عامًا كانوا هاربين من التجنيد القسري في إريتريا، وكان بينهم 8 نساء حوامل واضطررنا إلى إجلاء إحداهن إلى مالطا لأتها تحتاج الى المساعدة في ولادتها. وكان من بينهم صغار غير مصحوبين بذويهم.
منذ أن بدأنا العمل في مركب الأكواريوس صدمنا بعدد النساء والفتيات اللاتي تعرضن للعنف الجنسي والاغتصاب على يد المهربين والعصابات الإجرامية أو رجال الأمن خلال رحلتهن. كثير من النساء وبالذات من نيجيريا يقعن فريسة للمهربين وربما ينتهي بهن الحال في شبكات الدعارة. إن التطورات الأخيرة والعدد الكبير من الناس الذين يسعون إلى الوصول إلى الشواطئ الأوروبية هي نتيجة الاضطهاد وانعدام الحرية والحروب والفقر المدقع في البلدان التي يأتون منها، وكذلك الرحلات الخطيرة التي يخوضونها خلال الصحراء والبحر، وظروف المعيشة القاسية في ليبيا التي يتم استغلال اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين فيها والقبض عليهم عشوائيًا وإيذاؤهم.
• هل يمكن أن تطلعينا على ما يجري في البحر المتوسط والجهود المبذولة للتصدي لهذه الأزمة؟
نتذكر أن أكثر من 3 الاف شخص ماتوا في البحر هذا العام. ما نراه في البحر المتوسط أناس يتجشمون مخاطر جسيمة على حياتهم للوصول إلى الشواطئ الأوروبية. إننا نرى المئات من البشر محاصرين في قوارب لا تصلح للإبحار فيها قليل من الوقود والطعام والمياه، وبعضها لا يتوفر فيه هاتف متصل بالقمر الصناعي لإجراء طلب استغاثة. خلال عملية الإنقاذ الأخيرة كان لدينا أكثر من 720 شخصا في قارب خشبي واحد، كان الأطفال والنساء على سطح المركب وأشخاص آخرون في قلب المركب، ولا توجد معهم سترات النجاة. ومن بين هؤلاء أناس هاربون من الحروب والاضطهاد السياسي ويحق لهم الحصول على الحماية الدولية وطلب اللجوء. إننا نرى تحويل الوضع في البحر المتوسط إلى عملية عسكرية من خلال عملية صوفيا التي يديرها الاتحاد الأوروبي والتي يتركز دورها الأساسي في مكافحة المهربين. يوم الجمعة أطلق الاتحاد الأوروبي هيئة للسيطرة على الحدود بدلًا عن منظمة فرونتكس، وهي أيضًا لا تركز على إنقاذ الأرواح بل على السيطرة على الحدود. إننا بحاجة إلى آلية مخصصة في البحر المتوسط مهمتها الأساسية هي إنقاذ الأرواح. لقد زاد نشاط قوات حرس الحدود الليبية منذ بداية عام 2016 ولكن هناك مخاوف من أنهم يسعون أكثر إلى إيقاف هذه الرحلات وإرسال البشر إلى مراكز الاعتقال أكثر من إنقاذ الأرواح. فأي شخص يتم إنقاذه في البحر المتوسط بواسطة حرس الحدود الليبي يتم إرساله بشكل فوري إلى السجن في ليبيا، حيث ظروف الاعتقال غير إنسانية.
لقد وقّع الاتحاد الأوروبي وحرس الحدود الليبي على اتفاقية تعاون وإننا نرجو هنا أن يكون التركيز على إنقاذ الأرواح وليس على السيطرة على الحدود. إننا نرى تأثير سياسات الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى تصدير حدودها وما نسميه بسياسية «دفتر الشيكات»: حيث يُخضِع الاتحاد الأوروبي المساعدات الدولية التي يقدمها على السيطرة على حركة الهجرة.
• هل توجد عراقيل أمام إيجاد حلول حقيقية؟
بوسعي أن أقول إن هناك غياب الإرادة السياسية والتفكير على المدى القصير وغياب الرؤية السياسية ومحاولة البلدان إلقاء العبء واللوم على بعضها البعض. إن منظمة أطباء بلا حدود تشهد التكلفة الإنسانية لسياسات الهجرة المُقيِّدة ومنها الإعادة القسرية أي ترحيل أشخاص بالقوة إلى أماكن سيكونون معرضين فيها إلى مخاطر حقيقية تشمل التعذيب وأشكال الإيذاء الأخرى، ومنها أيضًا تصدير إجراءات السيطرة على الحدود. إن غياب قوة القانون في ليبيا يعني أيضًا أن المهربين وتجار البشر قادرون على العمل بدون عوائق وأن المهاجرين معرضون لكل أنواع الإيذاء في ليبيا.
• ما هي الحلول المطلوبة اذن للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية؟
إذا كنا نرغب في إنقاذ الأرواح، فستكون الخطوة الأولى هي توفير ممرات آمنة وقانونية للاجئين وطالبي اللجوء مثل إعادة التسكين والتأشيرات الإنسانية وجمع شمل الأسر. إن الأشخاص الذين يسعون للحصول على الحماية الدولية يضطرون إلى اللجوء إلى الوسائل «غير الشرعية» ولا يجب أن يعاقبوا أو يسجنوا لذلك. يجب أيضًا أن نوجه اهتمامًا خاصًا للأشخاص المعرضين للخطر مثل النساء والأطفال الذين يتعرضون إلى مخاطر العنف الجنسي والإتجار بالبشر والدعارة. يجب أن تتمسك الدول بواجباتها الدولية في مواجهة أكبر أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية. وهذا يعني أيضًا أن الدول يجب أن تتشارك في المسؤولية. وبينما نسمع شكوى من البلدان الأوروبية بأن العبء أصبح ثقيلًا عليها، دعونا نتذكر بعض الحقائق وهي أن معظم اللاجئين غير موجودين في أوروبا بل في تركيا ولبنان والأردن وباكستان وإيران وإثيوبيا وكينيا والكونغو وتشاد وأوغندا. يجب أن نتساءل لماذا يهرب هؤلاء من بلدانهم؟ أليس بسبب الحروب والاضطهاد السياسي والحرمان أيضًا؟.
• إلى أي مدى ساهم الاضطراب السياسي والأمني في ليبيا في تعتيم الموقف في البحر المتوسط؟
دعونا نكون واضحين، كان اللاجئون والمهاجرون وطالبو اللجوء في فترة حكم القذافي يعبرون الصحراء والبحر للوصول إلى أوروبا، ولكن انهيار قوة القانون في ليبيا عمل على ازدهار شبكات التهريب والإتجار بالبشر. إن النزاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ اندلاع الثورات في عام 2011 أدت إلى نزوح ملايين السوريين والعراقيين على سبيل المثال ولجؤوا إلى البلدان المجاورة. إن بلدًا مثل ليبيا كان يجذب الكثير من العاملين المهاجرين في منطقة جنوب الصحراء الكبرى ولكن تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في البلد أدى إلى أن كثيرًا منهم بدأ يسعى إلى الوصول إلى أوروبا. إننا نرى أيضًا شبانا محبطين من شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى يسعون جاهدين إلى كسب قوتهم وتوفير الموارد لأسرهم. وكثيرًا ما تتقطع بهم السبل ويواجهون الموت في الصحراء أو البحر أو يواجهون الاستغلال والابتزاز في ليبيا.