بل يؤكد بعضها أن العد التنازلي لهذه العملية ربما يكون قد بدأ بالفعل، ولأن هذا النوع من التكهنات تكرر كثيراً على مدى السنوات الخمس الماضية، فمن الطبيعي أن يصبح عرضة للتشكيك، ومن المعروف أن ردود الفعل المحتملة من جانب حلفاء سوريا «روسيا وإيران وحزب الله و...» تشكل أحد كوابح ردع أمريكا وحلفائها عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا، وجعلهم يفكرون ألف مرة قبل الدخول في جبهة حرب جديدة ترهقهم مادياً ومعنوياً.
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن قرب اندلاع مواجهة عسكرية بين أمريكا وروسيا فوق الأراضي السورية، وقد استند هؤلاء إلى معطيات عدة أهمّها ما صدر في وسائل الإعلام الروسيّة عن إمكان حصول مثل هذه المواجهات، وما أعلنه رئيس أركان الجيش الأمريكي بتهديده بإلحاق هزيمة قاسية لروسيا، بالإضافة إلى إرسال القوات الروسيّة منظومة الدفاع الجوي المتطورة «أس 300» وطرّادين حربيين إلى سوريا.
في وقت سابق قررت واشنطن وقف التنسيق مع روسيا بشأن الأزمة السورية بعد عدة أسابيع من توقيع اتفاق بين الجانبين اعتبره كثير من المراقبين للشأن السوري خطوة مهمة على طريق إنهاء الأزمة، ولكن أمريكا عادت لتؤكد من جديد أن الاتصالات بين الجانبين «الأمريكي والروسي» ستستمر لمنع وقوع حوادث في الأجواء السورية، لكن، وبعد التأمل، نجد أنه من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أن أمريكا قصفت قوات سورية في دير الزور يوم 17 سبتمبر الماضي بعد 5 أيام من دخول الاتفاق الروسي الأمريكي حول سوريا حيز التنفيذ مما أسفر عن استشهاد جنود سوريين، ولكن واشنطن قالت إن ما حدث تمّ عن طريق الخطأ، وتغاضت دمشق وموسكو عن الحادث في ذلك الوقت، رغم الشكوك حول مصداقية ما أعلنته واشنطن تبريرا للهجوم، ولكن تجميد هذا الاتفاق بين الطرفين هو مما يعزز هجمات مشابهة في المستقبل فوق الأراضي السورية، فالتساؤل الذي يفرض نفسه هنا بقوة هو، هل تريد أمريكا تكرار القصف الجوي للجيش السوري؟ وهل ستتصدّى لها المضادات الأرضية؟ .
بينما تظهر المزيد من الإشارات الدالة على أنّ واشنطن وحلفاءها يتوجّهون نحو تسديد ضربة ما إلى سوريا، فيما تؤكد روسيا أن استهداف القوات السورية يعد استهدافا لقواتها، وأضافت أن صواريخها المضادة للطائرات والصواريخ لا يمكنها تمييز أماكن انطلاقها، وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان أن على الولايات المتحدة أن تدرس ملياً عواقب استهداف مواقع الجيش السوري»، مضيفة أن ضربات من هذا القبيل «ستهدد بوضوح الجنود الروس، وأضافت على أنظمة الدفاع الجوي الروسية اس»300» التي نشرت في سوريا في الآونة الأخيرة، أن طواقمها لن يكون لديها الوقت الكافي لرصد مسارات الصواريخ بدقة أو من أي اتجاه تم إطلاقها.
برغم من كل تلك الردود التي تدق طبول المعركة والجلسة العاجلة المقرر عقدها لمجلس الأمن لبحث تطور الأوضاع، فالواقع على الأرض والذي يقرأه المحللون الدوليون يقول إن احتمالية وقوع حرب واسعة النطاق بين الطرفين صعبة وأن كل طرف من الطرفين لديه العديد من الأسباب التي تمنعه من خطوة البدء في حرب واسعة ضد سوريا وحلفائها، وأهم الأسباب التي تمنع أمريكا وحلفاؤها من الإقدام على هذه الخطوة، أنه في حال أي عمل عدواني من قبل أمريكا ضد سوريا سيدفع دمشق، على الأرجح، إلى القيام بردود أفعال وضرب حليف أمريكا الرئيس في المنطقة وهو إسرائيل، ما سيؤدي إلى كارثة حرب جديدة في المنطقة وخارجها، كما أن حزب الله سيدافع بكل قوته عن النظام السوري، ويمكن أن يصل الأمر إلى تنفيذ هجمات في إسرائيل وأمريكا، ومن الممكن أن تسفر الحرب عن مواجهة بين القوات الأمريكية والروسية هناك، بالإضافة إلى أن ذلك سيؤدي إلى تدهور شديد في العلاقات بين أميركا والصين واشتعال حرب عالمية، وهذا ما لن يفعله الرئيس أوباما، فضلاً عن أن الجيش السوري لديه أسلحة متطورة قادرة على تدمير الأهداف الطافية على سطح الماء بما فيها السفن الحربية الأمريكية مما يجعل خسائر القوات الأمريكية تثير غضب الرأي العام في البلاد.
بكل بساطة هذه معادلة الصمود مقابل الانكسار ، فلم تحصد أمريكا من عدوانها على سوريا غير الفشل، كما خسرت سمعتها في الشرق الأوسط أكثر فأكثر، ومن هذا المنطلق يجب على واشنطن أن تتأهب لمرحلة جديدة، فاضطراب الأوضاع في أمريكا وحلفائها مسألة وقت، وان النار تحت الرماد، وباختصار شديد، إن الحرب على سوريا لها آثار مدمرة متى اشتعلت واستعرت لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وأن هذا العدوان سيكون كارثياً على مستقبل المنطقة بأكملها.