ويرى مراقبون أن معركة الفلوجة الأخيرة ساهمت بشكل كبير في تعرية موازين القوى الحقيقية والكشف عن تراجع قوة تنظيم «داعش» وخسارته لنفوذه هناك.
وتعدّ هذه العملية العسكرية بداية لمرحلة جديدة من عملية استعادة السيطرة على بقية المدن والمنشآت الواقعة في يد التنظيم الإرهابي.وبدأت قوّات الجيش العراقي عملية تحرير «الفلوجة» ذات الغالبية السنية المعقل الرئيس لتنظيم «داعش» الإرهابي منتصف شهر ماي المنقضي، وسط مشهد سياسي متوتر يعيش على وقعه العراق منذ أشهر ومظاهرات منددة بالفساد ، علاوة على مشهد إقليمي محاط بالصراعات الداخلية والخارجية من كل جهة.
وتحمل معركة تحرير «الفلوجة» أبعادا داخلية وأخرى خارجية متعدّدة لما تحمله من رمزية وتاثير على الحرب ضد «داعش» والارهاب في العراق وسوريا والعالم ايضا. لذلك يضع متابعون معركة «الفلوجة» في سلّة المعركة الانتخابية لحزب أوباما لما يحمله الانتصار على تنظيم «داعش» الإرهابي هناك من ايجابيات وتأثير على المشهد الأمريكي والدولي خصوصا بعد تراجع ثقة الأمريكان في إدارة البيت الابيض بعد هجوم «اورلاندو» الدامي يوم الاحد المنقضي. بالإضافة الى الدور الأمريكي تؤثّر عدة أطراف أخرى في الداخل العراقي سواء عبر دعم طائفة معينة على غرار الدّعم الإيراني الجليّ لميليشيات الحشد الشّعبي الشّيعية أو الدور التركي وحربه ضدّ الأكراد خشية توسّع نفوذهم في العراق وتأثير ذلك على المشهد الدّاخلي في أنقرة.
أزمات داخلية وتأثير خارجي
من جانبه قال الباحث والمحلل السياسي العراقي د. مثنى العبيدي لـ«المغرب» الجيش العراقي حقق انتصارات عديدة واستعاد أيضا العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة «داعش» الإرهابي لا سيما في محافظتي صلاح الدين والانبار، مضيفا ان الكفة الان لصالح الجيش العراقي الذي من المتوقع أن يستعيد السيطرة على الفلوجة في وقت قريب .
واعتبر العبيدي أنّ الأزمات الراهنة في المنطقة العربية وبشكل خاص في كل من سوريا والعراق واليمن ، معقدة من حيث تعدد وتداخل الاطراف واختلافها بين دول كبرى واخرى اقليمية وغيرها من فواعل خارجية مسلحة ، مضيفا انّ ذلك زاد من تعقد واختلاف الجذور والأسباب والاثار والتداعيات المترتبة عليها سواء ذلك على المستوى الداخلي للدول التي تمر بها او على المستويين الاقليمي والدولي .
وعن الأدوار الخارجية التي تلعبها أطراف دولية في الأزمة العراقية والسورية وغيرها أجاب محدّثنا انّ هناك اختلافا في ادوار كل من تركيا وايران والسعودية في الازمات العربية الراهنة وهذا الاختلاف يتباين من ازمة الى اخرى، قائلا «ان في الأزمة السورية هنالك تأثير للدور الايراني اكثر من الدورين التركي والسعودي بينما في الازمة اليمنية الدور السعودي اكثر تـأثيراً من الدورين الآخرين» مؤكّدا ان هذا الاختلاف متأت من مدى اهمية مصالح هذه الدول ومدى تأثير الازمات على مكانتها ومصالحها وأدوارها الإقليمية .
وعن تأثير هذه المتغيرات في العالم العربي والمنطقة الشرق أوسطية خاصة على كل من لبنان ودول الخليج أشار العبيدي إلى أن ماتعيش على وقعه المنطقة حمل معه تداعيات على الصعيدين الداخلي لدول المنطقة عندما أحدثت استقطابات سياسية واختلافات اجتماعية وتداعيات اقتصادية تتباين من دولة إلى أخرى. واعتبر أن في لبنان والعراق وسوريا واليمن تتضح بشكل كبير اكثر من غيرها ، وكذلك على الصعيد الخارجي بمستوييه الاقليمي والدولي اذ نتج عنها رؤى وتحالفات إقليمية ودولية جديدة بالإضافة إلى تباين واختلاف غير مسبوق في مواقف العديد إزاء هذه الأزمات.
وفي ظل ماخلفته الحروب في المنطقة العربية من معضلات لعل أهمها النزوح والتشرد والهجرة ، وهو مايبرز واضحا وجليا من التحذيرات الدولية الأخيرة التي ًألقت الضوء على التجنيد القسري للأطفال في مناطق الصراع ، وتزايد أعداد اللاجئين والنازحين والمهددين بالتشرد خصوصا في الفلوجة بعد أسابيع على انطلاق معركة تحريرها . في هذا الإطار قال محدّثنا أن للحروب على مختلف أنواعها تداعيات وتأثيرات كبيرة على فئات المجتمع المختلفة سواء في الدول الخاسرة وحتى المنتصرة وفي الدول التي تشهد حروباً داخلية ايضاً. ومن هذه التداعيات أشار العبيدي إلى ظاهرة تجنيد الأطفال التي تكمن وراءها أسباب متعددة منها استخدام القوة من قبل الجماعات المتطرفة لإجبار الأطفال على الانخراط في صفوفها ، ومنها اسباب اقتصادية في ظل الحاجة المادية والعوز اللذين تعاني منهما المجتمعات التي تمر بأزمات وحروب داخلية واسباب دينية وطائفية تروج لها دول وجماعات لتجنيد المقاتلين ومن مختلف الفئات العمرية ومنها الاطفال .