بعد وصف وزراء الداخلية العرب «حزب الله» اللبناني بالإرهابي: العالـم العربي في عباءة الرياض

تواصل الرياض حربها المفتوحة على حزب الله بمختلف السبل المتاحة . فبعد قرار مجلس التعاون الخليجي تصنيف الحزب اللبناني ارهابيا ، جاء البيان الصادر عن اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب الاخير ليضع ايضا «حزب الله» ضمن دائرة الجماعات الارهابية متهما اياه بزعزعة الاستقرار

في المنطقة العربية، مع تحفظ جزائري وعراقي والتباس في الموقف التونسي بداية ثم تنصل من البيان الختامي في مرحلة لاحقة. لتبدأ بذلك مرحلة جديدة من العلاقات والمحاور في المنطقة عنوانها الاساسي الوقوف وراء الرياض والتخندق في حلفها السياسي والعسكري ضد خصومها التقليديين في المنطقة وعلى راسهم ايران ومن يدور في فلكها.

لم يعد الصراع ايرانيا – سعوديا فحسب بل بات سنيا شيعيا ، سياسيا وطائفيا وعسكريا ايضا في المنطقة ...اذ يبدو جليا ان الرياض دفعت ومارست تأثيرها على جل الدول العربية ممثلين بوزراء الداخلية المجتمعين في تونس، لاتخاذ هذا القرار الذي يدخل المنطقة برمتها في سياسة المحاور والاحلاف اكثر من اي وقت مضى ..

وينسجم هذا التوجه مع سياسات الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز الذي قطع مع السياسات الخارجية «المتحفظة» التي كانت تميز الرياض لعقود طويلة . فارسل جنوده لقتال اعدائه الحوثيين الشيعة في اليمن ، ثم لوح بارسال قوات برية الى سوريا بتعلة قتال داعش ، قبل ان يبدأ حربا مفتوحة ضد حزب الله وايران المنخرطين في الحرب السورية ضد المعارضة المدعومة من الرياض وبعض دول الخليج ، وهي ايضا حرب ضد لبنان نفسه جاءت على شكل عقوبات اقتصادية واعادة للنظر في المساعدات العسكرية ، وربما تصل الى حد طرد آلاف العمال اللبنانيين الذين تعتبر عائدات تحويلاتهم الى بلدهم من اقوى دعائم الاقتصاد اللبناني .

ومن شأن وصف حزب الله بالارهابي ان يضيق الخناق اكثر على الحكومة اللبنانية .فبلد الارز المهدد بفتنة سنية شيعية ،يعيش منذ فترة على وقع تصدع سياسي وطائفي عنيف على خلفية الجدل الدائر والمواقف المتباينة مما يجري في الجوار السوري . هذا التباين وصل الى حد مشاركة لبنانيين « سنّة» مع الجماعات المقاتلة ضد النظام السوري ردا على انخراط حزب الله «الشيعي» في القتال الى جانب النظام السوري.

من الجبهة الاسرائيلية الى الساحة السورية
لقد خاض حزب الله معارك لتحرير جنوب لبنان ادت الى دحر الاحتلال الاسرائيلي من بلد الارز عام 2000 في اول انتصار عربي ضد الصهاينة .واتت ايضا حرب تموز جويلية 2006 لتؤكد على الدور الذي يلعبه الحزب في مقاومة الاحتلال ..فصمدت قواته امام الغارات الاسرائيلية طيلة شهر مما جعل التنظيم يكتسب شعبية كبيرة في الاوساط العربية . ويرى البعض ان معركة القصير التي انخرط فيها الحزب دعما لقوات النظام السوري عام 2013 مثلت نقلة نوعية في سياسات الحزب ..وربما اضعفت موقعه العربي واظهرته بمظهر طائفي ،خاصة ان قادته اعلنوا مرارا بان انخراطهم في الحرب السورية انما جاء للدفاع عن الاماكن المقدسة الشيعية. فقد وضعت هذه المعركة علامة استفهام كبيرة حول دور حزب الله ..من مقاومة الاحتلال الصهيوني الى الانخراط في الحروب الطائفية في المنطقة..
كما ادخل هذا القرار لبنان -بحسب عديد المراقبين- في دوامة الازمة السورية رغم انه في غنى عنها.

هدية مجانية لاسرائيل
لا تزال ردود الفعل متواصلة بشأن هذا القرار بين مهلل ومعارض. ومن المفارقة ان يكون حزب الله هو العدو اللدود لاسرائيل والرياض في الوقت نفسه . من هنا نجد ان اول المهللين لهذا الوصف هو «اسرائيل» التي تجد في حزب الله عامل التهديد الاول لامنها القومي وجبهتها الشمالية على حدود لبنان. وفي هذا السياق رحبت الصحافة العبرية بالقرار ووصفته صحيفة «معاريف» بأنه «إنجاز لإسرائيل».

والمفارقة ايضا انه في الوقت الذي تهرع فيه عديد الدول الغربية لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع ايران بعد اتفاقها النووي الاخير انطلاقا من مبدأ «السياسة الواقعية» في العلاقات الدولية ..تصطف الدول العربية في حلف جديد ضد الارهاب يعادي حزب الله وإيران والحوثيين ليتخذ الصراع صبغة طائفية ..

وتشهد الساحة اللبنانية حالة من الالتباس بشأن هذا القرار خشية من تداعياته على البلاد . وبدا انه جاء مفاجئا ايضا لاقطاب 14 آذار وعلى راسهم رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري المعروف بولائه للرياض. اذ رفض الحريري التعليق مباشرة على قرار دول مجلس التعاون الخليجي بشأن الحزب. وجدد تمسكه بالحوار الداخلي مع الحزب قائلا «لا نريد فتنة في البلد». كما تحفظ وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق على القرار خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب وقال إن الاعتراض يأتي «صوناً لما تبقى من مؤسسات دستورية في لبنان». وحقيقة الحال فان هذا الوصف يبدو منسجما مع المشهد العربي الراهن ..ومع الانتكاسات والتراجع الذي سجله الواقع العربي منذ قرابة الخمسة اعوام مع ما يسمى بـ «الربيع العربي» . وانخراط العرب في حروب اهلية لتدمير بلدانهم وحضارتهم ..في العراق وسوريا واليمن وليبيا في اشرس موجة عنف تشهدها المنطقة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115