بعد دخول السراج طرابلس: التدخل العسكري، التحفظات، السيناريوهات والتداعيات؟

الآن وقد وجد المجلس الرئاسي ورئيسه فايز السراج موطئ قدم له داخل طرابلس من خلال تواجده المؤقت داخل القاعدة العسكرية البحرية في العاصمة الليبية يمكن التأكيد والقول أن السراج كسب الرهان ورفع التحدي ومعارضة معرقلي التسوية السياسية مستغلا الدعم

والتعاطف الدوليين لصالحه وهو ما أدى هذه المرة إلى تغليب صوت الحكمة والعقل لدى الليبيين بمختلف انتماءاتهم.
وقد حملت آخر المستجدات القادمة من طرابلس انفراجا للازمة سوف تتجلى ملامحه ومظاهره خلال الساعات المقبلة. من بين تلك المستجدات انسحاب المليشيات المسلحة الرافضة لدخول حكومة الوفاق لطرابلس من محيط ومساحة سوق الثلاثاء كما غابت مظاهر السلاح من طرابلس لأول مرة منذ سنوات.

وقد كان الفضل في ذلك لحكماء ومشايخ طرابلس الذين تواصلوا مع رئيس الحكومة المكلف السراج ثم لاحقا جرت لقاءات مع قادة المليشيات المتشددة وتم إقناعهم في الأخير بأنه لا جدوى من عنادهم وانه لا يمكنهم تحدي إرادة المجتمع الدولي المصمم على فرض تطبيق بنود الاتفاق السياسي وأن أهالي طرابلس والضواحي والمدن المتاخمة لن يقبلوا وتحت أي ظرف حدوث اقتتال في طرابلس ومزيد الصراع المسلح على السلطة. لقاءات المشايخ والأعيان شملت كذلك المدعو خليفة الغويل رئيس حكومة الإنقاذ ورئيس المؤتمر الوطني النوري بوسهمين اللذين أبديا مرونة وتفهما والتزاما بتغيير الموقف من الرفض إلى القبول بدخول المجلس الرئاسي ورئيسه إلى العاصمة.

معلوم أن الاتحاد الأوروبي وافق أول أمس على تسليط عقوبات على كل من أبو سهمين والغويل وعقيلة صالح قويدر وقد أدرجت تلك العقوبات بالجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي أمس الجمعة بمعنى أوضح أن المجتمع الدولي لم يعد يلوح بعصا العقوبات بل انتقل إلى مرحلة تطبيق العقوبات.

معطيات ومستجدات تؤشر جميعها إلى أن المجلس الرئاسي والسراج لن يحكم ليبيا من خلال موطئ قدم في القاعدة البحرية وإنما سوف تتوسع مناطق نفوذه بدعم الليبيين ما عدا قلة صغيرة.

مصير المليشيات
الواضح أن حكومة الوفاق لن يمكنها على الأقل خلال المدى القريب أن تستغني عن المليشيات المسلحة ليس في طرابلس فحسب وإنما في كامل التراب الليبي بسبب غياب الجيش والأمن ونتحدث هنا عن الأغلبية الساحقة من المليشيات المسلحة وسوف يواصل المصرف المركزي صرف الرواتب لمنتسبي تلك المليشيات كما أن مسألة جمع الأسلحة ستكون بشكل فردي لكن الإشكالية ستكون متمثلة في الجماعات المسلحة المتطرفة من تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وتنظيم داعش الإرهابي وهذه التنظيمات يدرك السراج والمجتمع الدولي برمته أن الحرب عليها قادمة لا محالة وأن لحظة بدء الحرب عليها في علم الغيب كما يقال لكن يبقى تهديد المصالح الغربية هنا وهناك ومدى ارتباطه بتلك الجماعات المتواجدة في ليبيا هو الذي يحدد بداية محاربة الإرهاب في ليبيا.

ومع أن رئيس الحكومة المكلف سوف يعمل بكل طاقته وجهوده لإبعاد سيناريو التدخل العسكري الخارجي تحاشيا لتصعيد الأوضاع إلا أنه يبدو ان الأمر قد حسمه الغرب فهذا الكونغرس الأمريكي وضع خطط التدخل على طاولة الرئيس باراك أوباما منذ شهر تقريبا.

وهذه بريطانيا تتقدم أشواطا مهمة تمهيدا لإرسال قواتها غير مبالية بمعارضة البرلمان. إيطاليا بدورها جهّزت قواتها للتدخل وهي رهن طلب حكومة الوفاق الوطني. إضافة إلى ذلك نجد دول الجوار الليبي ورغم نجاحها نسبيا في فرض الحل السياسي إلا أنها في المقابل على يقين أن التدخل الغربي قادم ولئن تأجل لأسابيع وأشهر فهو حاصل لا محالة. فعندما تقرر حكومة الوفاق تحرير المدن الخاضعة لداعش الإرهابي مثل سرت وأجزاء من درنة، النوفلية، طراوة، بن جواد وأيضا مداهمة الخلايا النائمة لداعش في أغلب مدن ومناطق ليبيا سوف لن يذعن داعش لقرار الحكومة وطالما انه لا قدرة للمؤسسة العسكرية والأمنية الناشئة على محاربة الإرهابيين سيتم إقرار التدخل الغربي في ليبيا. وهنا سيحدث التصعيد فالجماعات المسلحة ذات التوجه الإسلامي ستقف إلى جانب الدواعش بما سيوسع دائرة وجغرافية الحرب على الإرهاب وهذه النقطة بالذات لا تغيب عن ذهن رئيس حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي ومجلس الدولة وكذلك دول الجوار.

مراقبة سرت ودرنة
سبق لتقارير غربية عسكرية وتقارير محلية من داخل سرت أن اعترفت بزيارات متعددة لجنود بريطانيين وإيطاليين وفرنسيين إلى مدينة سرت الخاضعة لسيطرة داعش الإرهابي لجمع المعلومات ورصد تحركات الدواعش وحجم قوتهم. كما سبق الحديث عن وجود قناصة أرعبوا الدواعش في المدينة أيضا سبق لمصادر إعلامية فرنسية أن أقرت بوجود ضباط فرنسيين وغرفة عمليات عسكرية فرنسية في بنغازي لمحاربة الإرهاب. كما تزايدت الغارات المجهولة على مواقع داعش في كل من سرت ودرنة.

اعترافات ودلائل تؤشر كلها على أن داعش في سرت ودرنة تحت المراقبة الغربية وهذا يمكن اعتباره خطوة أولية تسبق التدخل الفعلي العسكري في ليبيا. فالتواجد العسكري الغربي لم يغب يوما عن ليبيا ما بعد ثورة 17 فبراير فعلى الرغم من نفي حكام طرابلس وطبرق إلا أن الغرب نفسه اعترف بوجود جنود وخبراء عسكريين له في جهات مختلفة من ليبيا. لكن المرحلة القادمة ستشهد تواجدا علنيا عسكريا خاصة لبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب لكن في جزئه الخفي هو حماية مصالح تلك الدول ولن تجدي نفعا هنا تحفظات دول الجوار ولا التفاف الليبيين حول حكومة الوفاق الوطني فقط ما يمكن لليبيين ودول الجوار تجنبه هو تصاعد الاقتتال بين الأطراف الليبية .

دوما في سياق التدخل العسكري الغربي المؤجل لأجل غير معلوم، يرى مراقبون أنه يمكن إنجاز بعض العمليات العسكرية الخاطفة وما يسمى بالعمليات الجراحية المحدودة في الزمان والمكان متى ظهرت الحاجة إلى ذلك التدخل سواء في سرت أو غيرها من مناطق تواجد الجماعات الإرهابية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115