كخطوة أولى وتجسيدا للدعم الدولي للحكومة الليبية سعى المجلس الرئاسي للدخول إلى العاصمة الليبية تمهيدا لقدوم الحكومة غير أن تلك العملية اصطدمت بتأخر اللجنة الأمنية في تهيئة الظروف الملائمة. ليبقى السؤال المطروح هو من هم المؤيدون للحكومة ومن هم الرافضون لتواجدها داخل العاصمة؟ وإلى أي مدى يمكن للشق الرافض الصمود في وجه إرادة المجتمع الدولي المصمم على إدخال حكومة السراج إلى طرابلس؟
للإجابة لا بد من الإشارة إلى أن عمل اللجنة الأمنية المكلفة بتهيئة الظروف والتنسيق مع المليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية ،أحيط بسرية كبيرة وعقبات أيضا حتى أن مصادر أكدت اختطاف ثلاثة من أعضاء اللجنة من داخل طرابلس.
هذا في ما يتعلق بأداة اللجنة الأمنية أما عن الرافضين للحكومة فهم أقلية داخل المؤتمر الوطني على رأسهم رئيس المؤتمر ورئيس حكومة طرابلس ووزير خارجيته وعدد قليل من قادة المليشيات وثوار الزنتان والرجبان وقبائل الصيعان، الجميل، الرقدالين وما يعرف بجيش القبائل المسيطر على قاعدة الوطية الموالية لبرلمان طبرق المعترف به دوليا. هذا عن الغرب الليبي أما شرقا فإن الأغلبية الساحقة من مكونات إقليم برقة ،أعلنت رفضها فرض حكومة الوفاق بالقوة وتتمسك بتمريرها -أي الحكومة- عبر برلمان طبرق وخلال جلسة رسمية.
مقابل هذا الشق الرافض للحكومة، نجد أن أكبر المليشيات في طرابلس تؤيد التسوية السياسية ومثال ذلك الجماعة الليبية المقاتلة بزعامة عبد الحكيم بلحاج الذي من المتوقع أن تحتضن القاعدة العسكرية التي تسيطر عليها حكومة السراج. ومن المليشيات الأخرى الداعمة للحكومة نجد مليشيات تابعة أو هي مقربة من رئيس مجلس الدولة عبد الرحمان السويحلي ومليشيا السعداوي وفرسان خبرور وأبو سليم والخمس وغيرها من المليشيات.
وهكذا نجد أن الحكومة وبضمان ولاء هذه المليشيات تكون قد ضمنت السيطرة على المواقع الحساسة في طرابلس، بداية من مطار طرابلس إلى مقرات السيادة إذن لسائل أن يسأل ما الذي يعرقل دخول حكومة السراج، طالما أنها ضمنت دعم كل هذه المليشيات في طرابلس؟ واضح وجلي أن الاتفاق النهائي بين اللجنة الأمنية وقيادات المليشيات المعنية لم يحصل بعد بسبب ارتفاع سقف مطالب تلك القيادات وتنوعها .إذ أن بعض القيادات يطالب بتمكينها من مناصب أمنية وعسكرية وعدم إيجاد ضمانات دولية ومحلية بعدم ملاحقته ،وشق ثالث تطالب رئيس الحكومة فايز السراج بنصيب من المناصب الهامة سواء داخل التركيبة الموسعة للحكومة أو ضمن البعثات الديبلوماسية.
هذه جملة مطالب الغرب الليبي أما شرق البلاد فتتلخص مطالبه في ضمان مكان حفتر ومسألة منح الثقة للحكومة من طرف برلمان طبرق وخروج آمن لرئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح ،ليتم بعد جلسة التصويت على الحكومة انتخاب رئيس جديد للبرلمان.
المحصلة أنه يمكن استنتاج أن حكومة الوفاق فعلا في الطريق إلى طرابلس ،وذلك ما سوف يحصل خلال الأيام القريبة وهو رهين حصول اتفاق نهائي مع المليشيات النافذة في طرابلس.
حكومة طرابلس ترفض زيارة كوبلر
في الاثناء كان من المتوقع أن يقوم المبعوث الدولي لدى ليبيا أمس الأربعاء بزيارة إلى العاصمة الليبية طرابلس، وذلك عقب اجتماع دول الجوار وتوصية بدعم حكومة الوفاق اللامحدود والتسريع بمباشرة أعمالها من داخل طرابلس. لكن زيارة مارتن كوبلر ألغيت حيث رفضت حكومة الإنقاذ والمؤتمر الوطني العام استقبال المبعوث الدولي ،وبذلك تكون حكومة طرابلس ورئاسة المؤتمر الوطني قد تمادت في تجاهل إرادة المجموعة الدولية دون تقدير لعواقب ذلك.
صحيح أن طرابلس سبق لها أن رفضت زيارات سابقة للمبعوث الدولي لكن هذه المرة الظروف تختلف كثيرا ،فهذا الرفض جاء بعد مصادقة مجلس الأمن على التسوية السياسية التي أقرها الاتفاق السياسي الموقع عليه من قبل الفرقاء السياسيين ورفض حكام طرابلس كذلك جاء بعد إظهار المجتمع الدولي التصميم على فرض حكومة الوفاق وانطلاق أعمالها من داخل طرابلس رغم ذلك تصر حكومة طرابلس على الاستمرار في عرقلة تنفيذ الاتفاق السياسي دون تقديم مبررات اللهم مراهنتها على ما يسمى بالحوار الليبي – الليبي.
ويرى متابعون للشأن الليبي المعقد بأن تمادي حكام طرابلس في عرقلة مخرجات الحوار السياسي إنما يؤشر لظهور حكومة ثالثة في ليبيا ليكون في طرابلس لوحدها حكومتان حكومة الإنقاذ التابعة للمؤتمر الوطني وحكومة الوفاق المدعومة دوليا والحكومة الأخرى شرق البلاد وهي التابعة لمجلس نواب طبرق. وكان المبعوث الدولي مارتن كوبلر وفي تغريدة له ذكر وكتب أن زيارته المبرمجة إلى طرابلس قصد تمهيد قدوم المجلس الرئاسي إلى طرابلس قد ألغيت دون إعطاء أي تفاصيل وأضاف كوبلر أنه من حق بعثة الأمم المتحدة زيارة طرابلس.
دعوات للالتحاق
من جهة اخرى حضر إلى مقر البرلمان المعترف به دوليا 50 نائبا من جملة 198 نائبا وقد أصدر النواب الذين حضروا بطبرق بيانا ناشدوا فيه زملاءهم المتغيبين بسرعة الالتحاق بمقر البرلمان من أجل إنجاز الاستحقاقات، وخاصة التصويت على المادة العاشرة من الإعلان الدستوري ومنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني في أقرب وقت ممكن من جانبه أكد النائب الأول لرئيس البرلمان محمد شعيب أن الأغلبية داخل البرلمان تدعم دخول المجلس الرئاسي إلى طرابلس كخطوة أولية قبل المصادقة على حكومة فايز السراج. إلى ذلك انتقد عدد من النشطاء السياسيين إمعان الأطراف النافذة غرب ليبيا ولا سيما المسيطرة منها على طرابلس ،واتجاه تلك الأطراف السياسية والعسكرية النافذة إلى إهدار الفرصة التاريخية التي أتاحها المجتمع الدولي للفرقاء الليبيين.
وعبّر عدد من الناشطين بالمجتمع المدني في جنوب وشرق ليبيا، تخوفهم وخشيتهم من أن يؤدي تلكؤ طرابلس في احترام الإرادة الدولية والمساعدة في اعتماد حكومة الوفاق ودخولها إلى طرابلس. إلى أن يقود إلى التدخل العسكري وفرض الحكومة بالقوة باعتبار حجم المخاطر والتحديات التي تترصد ليبيا لا تحتمل إهدار المزيد من الوقت.
هذه المخاوف الناتجة عن تلكؤ أطراف ليبية في قبول دخول حكومة السراج تشترك فيها دول الجوار والجامعة العربية وبعثة الاتحاد الإفريقي وذلك ما تضمنه البيان الختامي لاجتماع دول الجوار المنعقد في تونس أول أمس.
اتساع دائرة تقاسم السلطة في البلاد
الضغوطات الدولية ارتفعت وتيرتها خلال الفترة الفارطة قصد فرض حكومة السراج والتلويح بالعقوبات ضد المعرقلين. المشهد السياسي الراهن يوحي بمزيد اتساع الانقسام للسلطة مما سوف يعمق الأزمة الاقتصادية وتردي الأوضاع الإنسانية لبلد أنهكته الحرب الأهلية والتجاذبات السياسية على مدى خمس سنوات.
وتحبس دول الجوار أنفاسها في انتظار من ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا في جانبها السياسي خاصة مع احتمال إصدار قرار من طرف مجلس الأمن الدولي يخول استخدام القوة العسكرية لفرض حكومة الوفاق في حال ثبت أن المعرقلين لها سوف يحاربونها.