والمعلوم ان لبنان يعاني فراغا رئاسيا وأزمة كبيرة جراء عجز البرلمان عن انتخاب رئيس للبلاد خلال 45 جلسة لم يتوفر فيها النصاب القانوني المطلوب والمحدد بـ ـ86 نائبا من اصل 128.
ولعل السؤال الكبير الذي يطرح في الساحة اللبنانية ما الاسباب التي دفعت الحريري الى تبني هذا الموقف المفاجئ وقلب المعادلات وموازين التحالفات 180 درجة لصالح منافسيه ؟
تغيرات جيوسياسية
الأكيد ان مسار الأحداث والمشهد الجيوسياسي تغير منذ اكثر من خمس سنوات ، ولعل الوضعية المالية والاقتصادية التي اصابت الحريري ، مع حديث عن برود علاقته مع المملكة العربية السعودية التي لطالما كانت الداعمة الاساسية له ولوالده رفيق الحريري ، ربما قد دفعته الى التوجه مباشرة الى خصوم الرياض ومناوئيها في لبنان أي فريق 8 آذار وحزب الله..
لقد ورث سعد الحريري عن والده ثروة تقدر ب بـ 2,1 مليار دولار وحصة كبيرة في شركة «اوجيه سعودي». وكانت الشركة تحظى بمشاريع عديدة اهمها مشروع مدينة الملك عبد الله الجامعية . وتتحدث تقارير عن ان السعودية تأخرت في دفع السيولة،الامر الذي جعل الرجل يعيش مشكلة سيولة ، فتوقف عن دفع رواتب الموظفين ، وقام بصرف عدد كبير منهم . ويبدو ان هذه الازمة خلقت برودا في العلاقات بين الرياض والحريري .
في المقابل لا تبدو المملكة احسن حالا وقد انتهجت مع الملك الجديد سياسة مغايرة تجاه حلفائها اللبنانيين ، اسفرت عن اتخاذ قرارات -اعتبرت عدائية لليد العاملة اللبنانية في المملكة-واثارت جدلا كبيرا في بلاد الارز .. ويبدو ان الرياض تعيش ازمة حقيقية مع فتح عدة
جبهات عسكرية في آن معا ، في اليمن وسوريا ، مع ابتعاد حلفائها التقليديين عنها . وأحد اهم تمثلات هذا التغير هو قانون «جاستا» الذي اصدره الامريكيون ومثّل صفعة قوية للمملكة من اكبر حليف لها .. وفي المقابل بدأ نفوذ ايران ينمو ويتصاعد في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب ..
تحالفات جديدة
يرى البعض ان الزعيم اللبناني الحريري بصدد بناء تحالفات جديدة بعيدا عن المملكة في انتظار ان يكون ترشيح عون لرئاسة الجمهورية خطوة اولى على طريق عودة الحريري نفسه الى رئاسة الحكومة. ويحظى عون اساسا بدعم حزب الله اللبناني، وهو متحالف معه منذ 2006، ودعم حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، والذي كان على خلاف معه حتى قبل اشهر.
ويرى البعض ان هذا التغير المفاجئ في سياسة الحريري سيضعه في موقف محرج امام شريحة هامة في البلاد تنظر بعين الريبة الى تيار 8 آذار وتناصب العداء لنظام الاسد وحلفائه . ولعل الرابح الاكبر من كل هذه السياسات المتبدلة هو السياسي ووزير العدل السابق اشرف ريفي الذي صعد نجمه مؤخرا في الانتخابات المحلية في مدينته بشكل مفاجئ وبات يحظى بثقة اطياف واسعة في «الشارع السني» ..
الناشط السياسي علي الغول رئيس حركة شباب التغيير اللبنانية قال لـ «المغرب» إن المرحلة التي يمر بها لبنان صعبة وحساسة نظراً لما يحاك ضد هذا البلد مع اقتراح سياسة المناصفة وإمكانية المثالثة أي ثلث شيعي وثلث سني وثلث مسيحي في ظل تأجيل الانتخابات
النيابية والتمديد والشلل الحكومي والفراغ الأمني . ورأى ان كل الخيارات المطروحة اليوم -امام الحريري- لا تتماشى مع مبادئ ثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال وثوابت قوى 14 آذار على حد قوله . معتبرا ان الأخير تخلى عن قيم رفيق الحريري ومدرسته وأصبح كرسي رئاسة الحكومة همه الأول والأخير ضارباً عرض الحائط جمهوره وانصاره ومؤيديه وحتى حلفائه «. واوضح ان هذا التغير والتقلب في المواقف من شأنه ان يفقده ثقة السياسيين وشريحة واسعة من اللبنانيين ، فهو تارة يدعم جعجع لرئاسة الجمهورية ثم يدعم فرنجية واخيرا عون «. واعتبر ان تيار المستقبل يعاني تراجعا شعبيا وتنظيميا وخللا فاضحا ربما يجعله يخسر «الشارع السني» لصالح قوى اخرى صاعدة في البلد».