هل فقدت بريطانيا أدوات تأثيرها خارج نطاقها الجغرافي ؟

من غير المتصور أن المسرح الدولي كان مستعدا - بشكل كامل - للتعامل مع مخرجات الاستفتاء على بقاء بريطانيا في منظومة الاتحاد الأوروبي أو مغادرة ذلك الفضاء التكاملي الذي مثل - لعقود طويلة- نموذجا يحتذى به في مساعي كتل جغرافية أخرى في آسيا وإفريقيا للتكامل والاندماج.

ومع ذلك فتقديري أن الولايات المتحدة ربما تكون أكثر القوى الدولية استعدادا لسيناريوهات ما بعد الاستفتاء وتداعياته في ضوء أن بريطانيا تعد وستظل الحليف الرئيسي لأمريكا داخل القارة الأوروبية، بل لعبت لندن دور همزة الوصل بين واشنطن وبروكسل ، أخذا في الاعتبار انه لا يمكن استبعاد فرضية أن يكون لدى المعسكر «الأنجلو-سكسوني» حسابات غير معلنة تجاه مستقبل الفضاء الأوروبي ككل.

وهنا ، نجد أن روسيا تعد من أكثر المستفيدين من عدم تماسك الاتحاد الأوروبي رأس حربة المعسكر الغربي - العدو اللدود لروسيا - الذي نجح في الهيمنة على توجيه دفة العلاقات الدولية خلال العقود الأربعة الماضية .

وفي ضوء أن بريطانيا ستفقد الامتيازات التي تمنحها العضوية بالاتحاد من حرية انتقال السلع والخدمات دون قيود جمركية داخل سوق يضم 500 مليون مستهلك، ولن تبقى لندن أهم مركز مالي في أوروبا وستفقد مكانها لصالح فرانكفورت ، فإننا نطرح استفسارات عمن يتحمل مسؤولية نتائج الاستفتاء ، هل يتحملها ديفيد كاميرون رئيس الحكومة البريطانية الحالية بما انه تعمد استخدام العضوية بالاتحاد الأوروبي كورقة انتخابية ووعد في حال إعادة انتخابه بتنظيم ذلك الاستفتاء ؟ أم يتحملها من ساهم في الدعاية السلبية التي شهدتها بريطانيا خلال العامين الماضيين ضد الاتحاد الأوروبي ومؤسساته بداية من تأليب الرأي العام المحلي ضد هجرة مئات الآلاف من مواطني دول شرق أوروبا إلى بريطانيا عقب تطبيق سياسة توسيع الاتحاد الأوروبي ؟

وهل تبقي المسؤولية عن تلك النتيجة داخل حدود خامس اكبر اقتصاد في العالم ، أم يتحملها أيضا رموز النخبة البيروقراطية داخل الاتحاد الأوروبي لعدم تعاملهم بجدية مع مؤشرات عديدة أظهرت فقدان نموذج الأوروبي لجاذبيته وما عكسته تقارير إعلامية وأكاديمية عن تصاعد مستويات عدم الرضاء داخل الأوساط الأوروبية عن أوضاع الاتحاد المؤسسية ، حتى وصلنا الي نموذج جديد دشنه الاستفتاء البريطاني وهو الاستقواء بالناخب المحلي في مواجهة السلطة المركزية للاتحاد في بروكسل .

وقد نبقي الإجابة على التساؤل السابق مفتوحة حتى لا يفوتنا الانتقال الى استعراض حقائق سريعة توضح لنا المزاج الشعبي الأوروبي الذي ربما اثر بشكل أو بآخر على الاتجاه التصويري في الاستفتاء ، فمع التسليم بأن الشعوب الأوروبية قد حققت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أعلى مستويات التعايش والاندماج ، إلا أنّ مشروع الوحدة الأوروبية قد واجه مؤخرا العديد من العثرات التي أثرت في الأغلب عليى تقلب المزاج الشعبي الأوروبي بما فيها البريطاني ، خاصة وان تقارير إعلامية عديدة قد عكست ،خلال الفترة الماضية ، عدم ثقة مواطني دول الاتحاد الأوروبي (28 دولة ) في نمط البيروقراطية الذي اتسم به عمل مؤسسات الاتحاد سواء في بروكسل اوستراسبورغ مما اثر على فعاليتها ، لاسيما وان تلك المؤسسات لا تخضع للرقابة المباشرة، فضلا عن انقسام دول الاتحاد الأوروبي والدخول في جدال علني بين الدوائر السياسية حول التعامل مع أزمة اللاجئين والهجرة غير النظامية مع عدم توصل مؤسسات الاتحاد الأوروبي الي حلول ملائمة لتلك المعضلة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.

تزامن ما سبق ، الضرر الذي وقع على اقتصاديات العديد من دول الاتحاد نتيجة استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة علي روسيا وانعكاساتها السلبية علي قطاع الزراعة في الدول التي تعتمد على ذلك القطاع بشكل أساسي في منظومتها التصديرية.

فمن الأرجح أن كافة البدائل ستظل مفتوحة سواء ما يخص شكل العلاقة المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي أو في ما يخص انتشار العدوى داخل الاتحاد - الذي بات مطالبا في قمته المقبلة بالبحث في أدوات جديدة لتحديد هويته -ومدى إقدام دول أخرى خاصة في شرق ووسط أوروبا على إتباع النموذج البريطاني أو داخل المملكة المتحدة ذاتها وما يتردد عن إمكانية طلب اسكتلندا الانفصال عن العرش البريطاني للحفاظ علي عضويتها في الاتحاد الأوروبي .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115