واقترح دافوتوغلو كذلك استقبال اللاجئين الذين عبروا البحر بدون ترخيص والذين هم عالقون في اليونان. وبقدر ما فاجأ هذا المقترح جل الزعماء الأوروبيين فانه فتح لتركيا فرصة لتقديم مطالبها المتعلقة بالتعويض المالي وبفتح ملفات انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد اقترحت على الرئيس أردوغان في زيارتها الأخيرة الى تركيا قبول استقبال اللاجئين العالقين في اليونان في خطوة للتوصل الى حل شامل لأزمة اللاجئين التي لا تخدم أوروبيا و لا تساعد على فتح حوار بناء مع تركيا. ولم تخبر المستشارة نظراءها في أوروبا مما أدخل ارتباكا في بداية الاجتماع. لكن الرئيس التركي اغتنم هذه الفرصة وقدم مقترحا أحرج الأوروبيين لجرأته وذكاء أبعاده السياسية. وقبل الإتحاد الأوروبي في الأخير المقترح التركي القاضي بإحكام مراقبة الحدود البحرية التركية وبإعادة اللاجئين الذين التحقوا منذ بداية السنة باليونان. وهي خطوة يمكن أن ترجع مسألة مراقبة الحدود الأوروبية إلى الصفر وتدخّل الدول الأعضاء في سياسة جديدة لإعادة بناء فضاء «شنغان» من ناحية والفضاء الأوروبي من ناحية أخرى.
تغيير جوهري لملف اللجوء
تمكن النظام الإسلامي المحافظ في تركيا من الانقضاض على غنيمة لطالما عمل من أجلها دون أن يحصل على أي تقدم خاصة في ملف الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي. الاتفاق الحاصل تقدم فيه تركيا تنازلا في إدارة ملف اللاجئين. فسوف تسهر على إيواء اللاجئين على أراضيها وتكوين ملفات بمعية خبراء أوروبيين للاجئين الذين يخضعون للتعريف المتفق عليه حسب المواثيق الدولية. ويمكن لهؤلاء التقدم بمطلب لجوء يفتح لهم اللجوء في البلدان الأوروبية. ويهدف الاتفاق إلى تنظيم العملية انطلاقا من الأراضي التركية بصورة عقلانية ومسيطر عليها. و لكن بعض الدول، مثل المجر وبريطانيا، عبرت عن رفضها لمشروع «إعادة استقبال اللاجئين بصورة جماعية» وتوزيعهم على الدول حسب حصص معينة من قبل. من ناحية أخرى قبلت تركيا استقبال المهاجرين غير الشرعيين. وهو ملف تعاني منه كل الدول التي استقبلت اللاجئين بطريقة عشوائية وفي مقدمتها ألمانيا والسويد. وثبت لعديد الدول الأوروبية أن ما يقارب نصف اللاجئين هم في الحقيقة مهاجرون غير شرعيين. وقررت السويد في هذا الصدد ترحيل 80 ألف منهم. ولم تعلن ألمانيا عن عدد المهاجرين الذين ترغب في ترحيلهم.
غنيمة في الأفق
مقابل هذه التسهيلات طلبت تركيا بمنحة إضافية قدرها 3 مليار دولار تضاف الى نفس المقدار الذي تقرر من قبل و لم تصرفه أوروبا إلى الآن. وكانت إيطاليا قد استعملت حقها في النقض بسبب رفضها تقديم حصتها لتركيا. بل طالبت بخصم القيمة المقررة من صندوق الإتحاد. ولم يتضح ما إذا كانت إيطاليا قد غيرت موقفها من المسألة. على الصعيد السياسي، الغنيمة أكبر. فقد قبلت القمة الأوروبية بتسهيل تقديم تأشيرات الدخول للبلدان الأوروبية للأتراك ابتداء من جوان القادم. وهو بمثابة حذف التأشيرة بالكامل. وان عبرت فرنسا عن تحفظها على القرار فإن الأخبار الواردة من كواليس القمة تشير إلى أن الموقف الفرنسي لا يعدو ان يكون سوى موقف مبدئي لا يقدر على تغيير الوضع.
وقدمت تركيا طلبا بإعادة فتح 6 ملفات متعلقة بطلب انضمامها الى الإتحاد الأوروبي تم تجميده من قبل. ويبدو أن قبول القمة هذا المقترح لا يعني بالضرورة فتح الملفات في الأيام القادمة لأن جل الدول الأوروبية لا ترغب في الحقيقة في انضمام تركيا الى الاتحاد وسوف يلاقي هذا الموضوع عديد العقبات قبل التوصل إلى حل.
تحفظات صامتة
القضية الأساسية التي لاقت قبل هذه الأزمة الحادة رفض بعض الدول تتعلق أولا بعدم احترام حقوق الإنسان والقيم الإنسانية التي يقوم عليها الإتحاد الأوروبي. ولكن أمام حدة الأزمة لم تجازف الدول الأوروبية بخوض معركة حقوق الإنسان خشية أن يغضب الجانب التركي و يغير موقفه. ولم يذكر أي ملف في هذا الشأن خلال القمة. لكن اكتفى وزير الخارجية الفرنسية جون مارك آيرو بالتصريح خارج قاعة الاجتماعات في خصوص الهجوم الأخير على صحيفة زمان ووضعها تحت الرقابة العدلية لإسكات صوتها، إن «السطو على صحيفة زمان أمر غير مقبول».
وثانيا، تخشى الدول الأوروبية من المد الإسلامي القادم من تركيا التي تعدّ 80 مليون نسمة، خاصة أن أجهزة المخابرات الأوروبية قدمت عديد التقارير التي تشير إلى ارتباط النظام الإسلامي في أنقرا بتنظيمات مصنفة في قائمة الإرهاب ودعمها لتنظيم داعش الارهابي وجبهة النصرة في سوريا. و سوف يأخذ هذا الملف وقته حتى يحصل على إجماع الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.