يأتي ذلك في وقت تعاني فيه مفاوضات الأطراف الدولية حول الملفات النووية المثيرة للجدل تعقيدات متزايدة يوما بعد يوم ولعلّ آخرها الملف النووي الإيراني الذي لم يشهد أية متغيرات رغم مرور سنوات على بدء مفاوضات جينيف. لتنضاف إليها اليوم التطوّرات الطارئة على ملفّ النووي الكوري الشمالي بعد إعلان زعيم بيونغ يانغ بلاده دولية نووية وما سيرافق ذلك من تداعيات .
وأكد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أن امتلاك بيونغ يانغ للسلاح النووي حق لا رجعة عنه. وأكد البرلمان أن الزعيم كيم جونغ أون يمتلك السلطة الكاملة على القرارات حول استخدام السلاح النووي .وقال كيم خلال الإعلان عن توقيع قانون يجعل بلاده دولة نووية: «لن نقبل نزع سلاحنا النووي أبدا»، مضيفا أن «السلاح النووي هو الخيار الأخير لو تعرضنا لغزو أو لتهديد وشيك»، بحسب وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية.
وقد واجهت التجارب النووية لكوريا الشمالية انتقادات وإدانات دوليّة واسعة النطاق خاصة وأنها تثير استنفار دول الجوار وأمريكا. ورغم استبعاد أغلب الآراء اندلاع مواجهة مسلحة بين الطرفين نتيجة عدة أسباب إستراتيجية وسياسية واقتصادية، إلاّ أن سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن الخارجية المتعلقة بالقضايا النووية سواء الإيرانية أو الكورية الشمالية باتت تشهد متغيّرات متسارعة قد تفرض اللجوء إلى خيارات أخرى، مع العلم أن هذه الملفات شغلت إدارات البيت الأبيض المتعاقبة في غياب توافق بين أطراف التفاوض المعنية . ولعلّ الفشل في التوصّل إلى توافقات في مثل هذه الملفات ذات الأهمية الكبرى يعود إلى عدّة تراكمات سابقة على علاقة بالأوضاع المحلية والإقليمية والدولية على حد سواء.
ولفت الزعيم الكوري الشمالي خلال خطابه في اجتماع مجلس الشعب الأعلى إلى أنه لن تكون هناك أي مفاوضات من أجل نزع السلاح النووي في بلادنا. وشدد كيم جونغ أون على أن هناك أهمية كبيرة في إضفاء الشرعية على سياسة القوة النووية.
واتهم كيم الولايات المتحدة بمحاولة إسقاط النظام الكوري الشمالي من خلال جعل بلاده تتخلى عن قوتها النووية وحقوق الدفاع عن النفس، موضّحا أنّ الولايات المتحدة تأمل في الضغط على كوريا الشمالية للتخلي عن أسلحتها النووية بعقوبات صارمة. وصرح بأن كوريا الشمالية لن تستسلم أبدا حتى بعد مائة عام من العقوبات المفروضة على بلاده.ويتهم الزعيم الكوري الشمالي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بإتباع سياسة عدائية ضد بلاده، على الرغم من أن حكومة بايدن عرضت مرارا لقاء مسؤولين كوريين شماليين دون شروط مسبقة.
يشار إلى أن العلاقات بين هونغ كونغ وواشنطن تتسم بنوع من الشدّ والجذب إذ تفرض الولايات المتحدة عقوبات على الجانب الكوري الشمالي في محاولة للضغط على ‘’بيونغ يانغ’’ بعد استئنافها لإطلاق الصواريخ الباليستية ، ورغم أن سلاح العقوبات غير جديد في علاقة أمريكا بكوريا الشمالية بسبب ملف الأخيرة النووي إلاّ أن المثير للاهتمام استعمال الصين وروسيا مؤخرا حق النقض ضد مسعى قادته الولايات المتحدة لفرض مزيد من العقوبات الدولية على كوريا الشمالية بسبب إطلاقها لصواريخ باليستية، وهو انقسام حدث لأول مرة منذ سنة 2006.
تعقيدات جديدة
ووفق تقارير إعلامية فقد أجرت كوريا الشمالية سلسلة من عمليات إطلاق الصواريخ هذا العام، من أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت إلى إطلاق أكبر صواريخها الباليستية العابرة للقارات لأول مرة منذ ما يقرب من خمس سنوات. كما تستعد على ما يبدو لما سيكون أول تجربة نووية لها بعد عام 2017.
ووفق متابعين فإنّ إدارة البيت الأبيض تسعى منذ وصول بايدن للحكم إلى عودة قنوات الاتصال مع كوريا الشمالية وبحث آليات تفاوض وحوار جديدة بين الطرفين، وذلك بعد تعثر التفاوض عقب القمة التاريخية التي جمعت كيم جونغ أون بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سنة 2019 والتي كانت مخيبة للآمال.
وتدعو الصين أمريكا إلى رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية في محاولة لإقناع كوريا الشمالية باستئناف المفاوضات السياسية المعلقة منذ 2019، لإغراء بيونغيانغ لاستئناف المحادثات المتوقفة منذ عام 2019، وهي خيار تستبعده واشنطن في ظلّ تعنّت بيونغ يانغ واستمرارها في تطوير برنامجها النووي.إلاّ أنه يبدو أنّ إعلان كيم الأخيرة بأن بلاده دولة نووية لها الحق في امتلاك سلاح نووي سيعيد كل محاولات تقريب وجهات النظر بين الجانبين إلى نقطة الصفر.
يشار أنّ الملف الكوري الشمالي ليس الملف الوحيد الذي لم يراوح مكانه ، بل أيضا الملف النووي الإيراني الذي قالت عنه أمريكا أنه لم يعد الحديث عن التوصل إلى اتفاق قريب أمرا واردا نتيجة خلافات عميقة بين الأطراف المشاركة في مفاوضات جينيف.