إلى الجزيرة محلّ النزاع. وقد خلفت الزيارة غير المتوقعة حالة من الصدام بين أمريكا والصين مما أثار سيناريوهات عدّة مرتقبة في المنطقة لعلّ أخطرها الخيار العسكري وفق متابعين للمشهد.
وفي سياق المخاوف التي تلوح في المشهد الراهن قال وزير خارجية تايوان أمس الثلاثاء إن «الصين تستخدم التدريبات العسكرية التي بدأتها احتجاجا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي ذريعة للتحضير لغزو الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي».وأضاف جوزيف وو في مؤتمر صحفي في تايبه أن تايوان، التي تقول الصين إنها أرض تابعة لها، لن تتعرض للترهيب حتى في ظل استمرار التدريبات مع انتهاك الصين للخط الفاصل غير الرسمي في مضيق تايوان.يشار إلى أنّ قيادة المنطقة الشرقية بالجيش الصيني أعلنت أنها ستجري تدريبات مشتركة جديدة تركز على عمليات التصدي للغواصات والهجوم البحري. ويرى مراقبون أن هذه التدريبات المتتالية تدقّ ناقوس الخطر حيث اعتبرها البعض ضغطا واستفزازا صريحا من الصين ضدّ دفاعات «تايوان».
كما قال وكيل وزارة الدفاع الأمريكي لشؤون السياسات، كولين كال، أمس الثلاثاء، « إن بلاده لم تغير تقييمها الذي ترى من خلاله أن الصين تحاول الاستيلاء على تايوان عسكريًا خلال العامين القادمين، كما تحاول بكين الضغط على تايوان والمجتمع الدولي وإن بلاده تدرك ذلك، وستواصل الإبحار والطيران في أية منطقة يسمح لها القانون الدولي بذلك».
وقد أججت الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي النزاع التقليدي بين الصين وتايوان ووصلت الى حدّ قطع الصين لبعض خطوط الاتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية احتجاجا على سياسة البيت الأبيض الداعمة لجزيرة تايوان التي تعتبرها بكين خطّا أحمر يمس من أمنها واستقرارها الداخليين.
وأوقفت الصين مشاوراتها العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب المشاورات والمحادثات المتعلقة بالمناخ وسط استنفار داخلي أمريكي ودولي على حد سواء خشية تأثيرات هذه القطيعة على ملف المناخ الذي يعدّ من أكثر القضايا أهمية في العالم اليوم .
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أول تعليق علني له بشأن القضية منذ زيارة بيلوسي، إنه قلق بشأن تصرفات الصين في المنطقة، لكنه لا يشعر بالقلق على تايوان.
وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إنّ واشنطن ملتزمة بتقييم سابق بأنّ بكين لن تحاول غزو تايوان في العامين القادمين.ولم تستبعد الصين أبدا السيطرة على تايوان بالقوة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين إن الصين تجري تدريبات عسكرية عادية «في مياهها» بطريقة مفتوحة وشفافة ومهنية، مضيفا أن تايوان جزء من الصين.
تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية
إلى جانب الزيارة الأخيرة لبيلوسي التي أعادت الجدل حول تايوان ، يرى مراقبون أنّ السيناريوهات المطروحة اليوم حول إمكانية غزو الصين لتايوان بدأت في الظهور منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فيفري المنقضي ، وسط مخاوف من غزو صيني محتمل لتايوان في ظل صراع دائر بين الطرفين منذ عقود طويلة. وتعتبر الصين عدوا تقليديا للولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا وسياسيا ،وقد باتت قضية تايوان بدورها في قلب الحرب غير المعلنة بين بكين وواشنطن ولعلّ زيارة بيلوسي الأخيرة كانت القطرة التي أفاضت الكأس.
يشار إلى أنّ التصعيد العسكري في أوكرانيا وما تبعه من تنديد دولي، كان سببا في الاستنفار المعلن في تايوان، إذ يتمثل أصل الصراع الصيني التايواني في أن بكين تعتبر تايوان مقاطعة متمردة انشقت عنها يجب إعادتها إلى البر الصيني في كل الإحتمالات، فيما يختلف الكثير من التايوانيين مع وجهة نظر بكين، إذ أنهم يرون أن لديهم أمة منفصلة ودولة مستقلة، سواء أتم إعلان استقلالها رسميا أم لا. هذا الخلاف بين الصين وتايوان رافقه دعم أمريكي وغربي غير مسبوق خصوصا في الآونة الأخيرة .وهو ما يفسره مراقبون بحرب الضغوطات بين الجانبين إذ يعد أصل الخلاف بين واشنطن وبكين إقتصاديا وتجاريا بالأساس حول الزعامة الإقتصادية للعالم إلا أن قضية تايوان كانت دائما ورقة ضغط الصين من خلال دعمها سياسيا وأحيانا لوجستيا وحقوقيا.وتعتبر الصين تايوان خطّا أحمر يمسّ بشكل مباشر من أمنها الداخلي واستقرارها الأمني والسياسي.
وفي سياق تطورات المشهد الدولي الراهن واندلاع الحرب بين موسكو وكييف وفي ظل مستويات التعاون الكبير بين روسيا والصين والتي توسعت بشكل كبير خلال العقد الأخير ،يرى مراقبون أن التنين الصيني قد يكون في وضع مراقبة حذرة لتداعيات أي خطوة عسكرية محتملة للسيطرة على تايوان . ومنذ إعلان موسكو عن دخولها إلى التراب الأوكراني أعلنت حكومة تايون عن حالة استنفار من الدرجة الأولى في البلاد وذلك نتيجة توفر عوامل حدوث غزو صيني لأراضيها على غرار السيناريو الروسي الأوكراني.
ولعل التساؤل الملح الآن يتعلق بمدى جدية الصين في التوجه نحو السيناريو العسكري واحتمالات اتخاذ مثل هذه الخطوة الخطيرة .وخلال السنوات القليلة الماضية بدأت الصين في تصعيد لهجتها في ما يتعلّق بتايوان وقد أخذت تجري تدريبات عسكريّة وطلعات جويّة مكثفة تخترق المجال الجوي للجزيرة مع اتخاذ خطوات عدوانية تجاه أي دولة تقيم علاقات من أي نوع مع تايوان.