في جلها بأوكرانيا المُصدّر الأهمّ للقمح الى العالم العربي ، ولئن أبدت بعض الدول موقفها من التطورات الحاصلة إلا أنّ متابعين اعتبروا ان الموقف العربي مرتبط بضرورات الحياد من جهة والخشية من تأثر المصالح في حال الدخول في تحالفات واصطفافات دوليّة غير مضمونة العواقب من جهة أخرى .
وتجلى موقف الدول العربية من القرار الأممي لإدانة التدخل الروسي لأوكرانيا بعد أن صوتت كل من «الأردن والبحرين ومصر والإمارات وجيبوتي وجزر القمر والكويت ولبنان وليبيا وتونس وموريتانيا وسلطنة عمان وقطر والسعودية والصومال واليمن» ، مع القرار الذي «يدين بأشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا»، ويطالب روسيا بـ«الكف فورا عن استخدامها للقوة ضد أوكرانيا والامتناع عن أي تهديد أو استخدام غير قانوني للقوة ضد أي دولة عضو»، بحسب بيان نشر على موقع الأمم المتحدة.
وقد صوتت لصالح القرار 141 دولة إجمالا فيما صوتت 5 دول ضد القرار وامتنعت 35 دولة أخرى، وكان القرار بحاجة إلى ثلثي الأصوات لاعتماده.وأوضح البيان أنّ الدول التي صوتت ضد القرار هي «روسيا وبيلاروسيا وأرتيريا، كوريا الشمالية وكانت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي رفضت القرار»، أما الدول العربية التي امتنعت عن التصويت فهي العراق والجزائر، والسودان.
تباين المواقف
لئن كان تصويت بعض الدول العربية مفاجئا بعض الشيء على غرار تونس ولبنان والسعودية إلاّ أن التغير الواضح كان في موقف الإمارات التي صوتت مع القرار الذي يدين روسيا رغم التحالف الكبير الذي يجمع بين البلدين في الشرق الأوسط. وللإشارة سبق للإمارات أن امتنعت عن التصويت في مرتين سابقتين لصالح قرار أممي يطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا والتي دخلت في يومها السابع، لكن أبو ظبي غيّرت موقفها في جلسة مجلس الأمن بشكل مفاجئ وصوتت لصالح قرار تبنته الجمعية للأمم المتحدة، يطالب روسيا بوقف حربها في أوكرانيا.
ويربط متابعون مواقف الدول العربية التي تغيرت نسبيا بالمتغيرات الراهنة التي تشهدها مصالح وعلاقات هذه الدول بالولايات المتحدة وروسيا ، والتي تعكس رغبة الدول العربية الكبرى في تنويع علاقاتها الدولية وتطويرها في السنوات الأخيرة مع كل من موسكو وبكين ، بما في ذلك في المجال العسكري والإقتصادي والأمني في وقت تعيش فيه المنطقة العربية حربا ضدّ الإرهاب وتجابه تداعيات الربيع العربي وجائحة كورونا .
الموقف السوري كان الوحيد من بين مواقف باقي المواقف العربية وكان مساندا لروسيا باعتبار علاقة التحالف الوطيدة بين موسكو ودمشق والتي دخلت مرحلة جديدة منذ العام 2011 . ويؤكد متابعون للشأن الدولي أن الدول العربية تقع بين ضرورات وتجاذبات حادة تجعل مواقفها رهينة لمصالحها القريبة والبعيدة ، في حين يرى البعض الآخر أنّ الحياد والدعوة للحلول السلمية في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الغرب بات ضرورة ملحة لتجنّب الدخول في حرب التحالفات الدولية، وما ينجر عنها من حرب اقتصادية وسياسية خطيرة ستكون تأثيراتها كبيرة على الدول العربية رهينة التبعية الاقتصادية والتجارية للغرب .
منذ بداية التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا طفت إلى السطح مخاوف متزايدة من تأثيرات هذه الحرب على العالم العربي الواقع تحت الهيمنة الأمريكية من جهة والنفوذ الروسي المتزايد من جهة أخرى وهو ما يجعل العرب في نقطة محورية لأي تداعيات للتوتّر العسكري والسياسي والإقتصادي والأمني . خاصّة في ظلّ الأوضاع الإقتصادية الرثة التي يعانيها العرب بعد جائحة كورونا وتأثيرات هذه المعاناة الصحية التي استمرت لسنوات على اقتصاديات الأنظمة العربية ومنظوماتها الصحية .
وفي نفس السياق امتنعت العراق والجزائر والسودان عن التصويت على مشروع قرار للجمعية العامة الذي يطالب روسيا بالوقف الفوري لاستخدام القوة في أوكرانيا ، وهي خطوة يصفها مراقبون بأنها فرصة لمزيد تعزيز العلاقات بين هذه الدول وروسيا من خلال الوقوف على الحياد مع الحفاظ في الآن معا على العلاقات الوثيقة مع الجانب الأمريكي .