وتتّسم المرحلة بوجود مساع جادّة وحثيثة لتغليب لغة الحوار وتجنّب سيناريو الحرب التي ستكون ذات أبعاد وانعكاسات مدمرة على الصعيد الدولي وعلى صعيد المنطقة .
في سياق محاولات تجاوز التوتر تشهد التحركات الدبلوماسية تسارعا غير مسبوق في محاولة لحث روسيا ‘’على إظهار عزمها على وقف التصعيد بشأن أوكرانيا بالأفعال لا بالأقوال’’ وفق تصريح صادر عن شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي أمس الأربعاء إذ أكد في تصريحاته أنه’’ على موسكو أن تختار بين الحرب والدبلوماسية ‘’.وأضاف ميشيل «في اليومين الماضيين أشارت روسيا إلى أنها قد تكون منفتحة على الدبلوماسية.. ونحن نحث روسيا على اتخاذ خطوات ملموسة وفعلية نحو وقف التصعيد لأن ذلك هو شرط الحوار السياسي الصادق والصريح».
ويرى مراقبون أنّ ما يحصل اليوم من توتّر على الجبهة الأوكرانيّة الروسيّة تغذيه الحرب الإعلامية والتصريحات الحادة التي تشنها أمريكا وحلف الناتو باعتبارهما احد أهمّ مكونات التصعيد الراهن بين كييف وموسكو . ووفق متابعين فإنّ حدة التصعيد مرتبطة بنشاط حلف الناتو في المنطقة القريبة من موسكو وكييف ولعلّ القطرة التي أفاضت الكأس في هذه الجبهة كانت عودة سيناريو ضمّ أوكرانيا إلى دول حلف الأطلسي مجددا وهو ما تعتبره روسيا مسّا من أمنها القومي وتعديا على سيادتها. المطلب الأساسي لروسيا الآن هو ضمان الغرب ألا تنضم أوكرانيا إلى الناتو، وهو تحالف دفاعي مكون من 30 دولة.ولعلّ الدعم الأمريكي اللاّمحدود لحكومة كييف اقتصاديا أو عسكريا عبر تزويدها بالأسلحة والعتاد اعتبرته موسكو تدخلا سافرا في شؤونها .
العالم مستنفر
وفي سياق ردود الأفعال والانتظارات لساعة الحسم التي قالت تقارير إعلامية أنها اقتربت في ظل نية من موسكو شن حرب على أوكرانيا، هذا السيناريو ورغم استبعاد هذا السيناريو من قبل بعض المتابعين الا أنّ ما يحصل مجرد زوبعة إعلامية من امريكا والغرب لإظهار مدى جديتهما في حال تحركت موسكو عسكريا في اتجاه كييف، إلا أنه يبقى سيناريو وارد وغير مستبعد إذا ما شعرت روسيا بتهديدات تقترب منها. من جهته قال حلف شمال الأطلسي أن ‘’لا إشارات إلى خفض التصعيد «حتى الآن» وروسيا تستمر بحشد قوات قرب أوكرانيا’’ .
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ أمس الأربعاء انه لا توجد إشارات إلى خفض التصعيد «حتى الآن» وروسيا تستمر بحشد قوات قرب أوكرانيا رغم إعلانها أنها تسحب جنودا من الحدود.وأوضح ستولتنبرغ قبل اجتماع لوزراء الدفاع في الحلف «سمعنا إشارات من موسكو حول استعدادها لمواصلة الجهود الدبلوماسية لكننا الى حد الآن لم نرَ أي خفض للتصعيد على الأرض. ويبدو أن روسيا تستمر في الحشد العسكري».
وتقول موسكو إن عدة وحدات تشارك في مناورات في شبه جزيرة القرم في البحر الأسود، والتي ضمتها روسيا بشكل غير مشروع من أوكرانيا في عام 2014، عادت إلى قواعدها الآن.وتمثل هذه الخطوة بصيص أمل في تهدئة الأزمة على طول الحدود الأوكرانية بعد أسابيع من الجهود الدبلوماسية المكثفة والتهديدات من الغرب بفرض عقوبات في حالة غزو روسيا لأوكرانيا.
ويقول بوتين إن موسكو لا تزال مستعدة لمناقشة بعض القضايا، ومن بينها الأمن الأوروبي والصواريخ.وعندما سُئل الرئيس الروسي عن توسع الناتو قال: «خلال الثلاثين عاما الماضية قيل لنا إنه لن يحصل توسع للناتو على الإطلاق، لكننا اليوم نرى البنية التحتية على أعتابنا’’.وتساءل بوتين عن موعد قبول عضوية أوكرانيا في الناتو. وقال إن خبراء يشيرون إلى أن الدولة مازالت بعيدة عن أن تكون في وضع يمكنها من البدء في تقديم طلب العضوية.وأضاف: «نحن بحاجة إلى حل هذه المسألة الآن، نحتاج إلى حل هذه المسألة خلال مسار هذه المفاوضات».
في الأثناء توجهت أصابع الإتهام مجددا إلى موسكو بعد أن شهدت شبكات الإنترنت التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية وبنكين اضطرابا ووجه مركز أمن المعلومات الأوكراني أصابع الاتهام إلى روسيا.وقال المركز الأوكراني للاتصالات الإستراتيجية وأمن المعلومات، التابع لوزارة الثقافة، في بيان إن خطط الجهة المعتدية «لا تعمل على نطاق واسع». هذه الهجمات السيبرانية نفت روسيا جملة وتفصيلا ضلوعها فيها في وقت يدعوها فيه المجتمع الدولي إلى ضرورة تغليب لغة الحوار .
العلاقات الروسية الأمريكيّة الغربيّة
منذ بداية التصعيد على جبهة روسيا أوكرانيا هدّدت الدول الغربية بقيادة موسكو بفرض عقوبات اقتصادية جادة على موسكو ، ورغم الانقسام الذي يشهد المعسكر الأوروبي تجاه روسيا إلاّ أنّ أمريكا وبريطانيا مصرّتان على ضرورة ردع موسكو عبر تشديد العقوبات المفروضة .
ووفق متابعين للشأن الدولي يبقى الجانب الإقتصادي أحد أهمّ ركائز المشهد الراهن وقد يكون العنصر الفاصل في السيناريوهات المطروحة وأهمها سيناريو الحرب . إذ تمثل الخيارات الإقتصادية التي قد تتبناها الدول الغربية في مواجهة موسكو ورقة ضغط كبرى ضدّ موسكو نظرا لأهميتها وتداعيات الخطير لا على الروسي فحسب بل على الأوروبي على حد سواء.
ووفق تقارير إعلامية وبعد دعوة عدد من الدول لمواطنيها لمغادرة أوكرانيا خشية اندلاع حرب ، توافق أغلب الدول على الخطوط العريضة للعقوبات التي قد تشلّ أو تقيد حركة موسكو . إذ هدد الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة غربيون بعقوبات اقتصادية «لا مثيل لها»، وذات «عواقب وخيمة»، وصفتها بعض وسائل الإعلام الغربية بأنها «أم العقوبات»، في حالة غزو روسيا لجارتها أوكرانيا.والعقوبات الغربية المحتملة على روسيا قد تبدأ من الأفراد وتمتد لكيانات القطاع المصرفي، وصولا لأقسى عقوبات لم تشهدها موسكو منذ الحرب الباردة، بحسب تقارير غربية.وهناك نحو 14 عقوبة محتملة يناقشها قادة الغرب للرد على روسيا إذا قامت بغزو أوكرانيا.
ووفق تقارير فإن الأهم هو فرض عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا، وفريقه الرئاسي وشخصيات عسكرية وتجميد أصولهم وحظرهم من المعاملات المصرفية الأجنبية، وهو ما أكده جو بايدن، بالقول إنه «لا يستبعد فرض عقوبات على بوتين شخصيا».وهنا نددت موسكو، وقالت إنها خطوات ستضر بجهود خفض التوتر بأزمة أوكرانيا، كما أن المسؤولين الروس يُحظر عليهم الاحتفاظ بأموال في الخارج.
ضمن حزمة العقوبات المحتملة، قد تلجأ واشنطن والدول الأوروبية إلى منع مسؤولين وشخصيات روسية من دخول أراضيها.وقد تلجأ واشنطن إلى منع روسيا من التعامل بالدولار الأمريكي، حيث تستطيع فرض قيود على استخدامها للعملة الأمريكية، أو معاقبة الشركات التي تسمح لنظيرتها الروسية بذلك.
وضمن ما يدور من مناقشات غربية هناك أيضا فرضية إجراء عزل موسكو من شبكة الاتصالات المصرفية العالمية المعروفة بنظام «سويفت».إلى جانب إدراج البنوك الروسية بالقائمة الأمريكية السوداء ومنع تصدير سلع معينة لروسيا مثل التكنولوجيا والبرامج أو المعدات الأمريكية.
أوكرانيا وروسيا ... بين الحرب والدبلوماسيّة: تداخل بين السياسي والاقتصادي وتأثير ذلك على خيارات التصعيد
- بقلم وفاء العرفاوي
- 12:48 17/02/2022
- 831 عدد المشاهدات
يترقب العالم آخر تطوّرات الأزمة الراهنة بين روسيا وأوكرانيا وسط تعدّد السيناريوهات الممكنة والتي تتأرجح بين الحلّ العسكري والحلّ الدبلوماسي ،