وعللت السلطات المالية قرارها بتصريحات وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان «المعادية»، والذي اعتبر أن «الطغمة العسكرية» القائمة إثر انقلاب 18 أوت2020 «غير شرعية» وأن قراراتها «غير مسؤولة».
لم تتخذ فرنسا إلى حد الآن أي إجراء للرد على قرار باماكو. لكن باريس أعربت على «تضامنها مع شركائها الأوروبيين، وخاصة الدانمارك» بعد أن اطردت السلطات المالية فيلق الجنود الدانماركيين المشاركين في مالي في قوات «تاكوبا» الأوروبية. وعبر المسؤول الأول عن الخارجية الأوروبية جوزيببوريل عن «تضامن الإتحاد الأوروبي مع فرنسا والدانمارك الذي شهد طرد جنوده» مضيفا: «الوضع يستدعي احترام الالتزامات من الجانب المالي والحوار.» خطوة الطرد، على حدتها وخطورة تداعياتها، تعتبر سابقة خطيرة بين فرنسا ومالي. ولكنها تخفي عمق الأزمة بين البلدين منذ مدة.
خلافات استراتيجية
اعتبرت باماكو انها رغم قرار الطرد مستعدة للحوار ومواصلة التعاون مع مجمل الشركاء الدوليين بما في ذلك فرنسا في إطار الاحترام المتبادل و على أساس المبدإ الجوهري بعدم التدخل»، فإن علاقات مالي مع دول الجوار المنظمين في المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا تدهورت هي الأخرى بطرد ممثلها في باماكو بعد أن فرضت المنظمة الإقليمية عقوبات دبلوماسية واقتصادية بسبب عدم ارجاع المدنيين على رأس البلاد ورفض العسكريين تنظيم انتخابات حرة كما كان مقررا من قبل.
في واقع الأمر يدخل قرار الطرد في تغيير التموقع الإستراتيجي لباماكو بعد أن سمحت السلطات العسكرية لمنظمة «فاغنار» الروسية بنشر مرتزقة في البلاد من أجل حماية السلطات العسكرية. وأشارت بعض التقارير الصحفية والعسكرية الغربية إلى وجود معسكرات للقوات الروسية شبه العسكرية قرب مطار باماكو أين يتم تدريب جنود ماليين من قبل خبراء روس سيستخدمون معدات عسكرية روسية. وهو ما يفسر غضب باريس من السلطات العسكرية التي أقدمت على التعاقد مع المنظمة الروسية المعروفة بقربها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم التحذيرات الفرنسية وتشهد فرنسا، في هذا الملف، منافسة شرسة من قبل موسكو في منطقة نفوذها الإفريقي بعد أن تعاقدت جمهورية افريقيا الوسطى مع نفس القوات لحمايتها.
وذكرت بعض الصحف الإفريقية المطلعة أن باماكو منحت روسيا حقا في استغلال بعض المناجم الإستراتيجية في خطوة اعتبرت تغييرا في الموقف الرسمي لمالي الذي اصطف مع باريس منذ عقود ومنحها حق استخراج اليورانيوم وبعض المواد الطبيعية الأخرى. وتعتقد نفس الصحف أن عددا من المسؤولين العسكريين الحاليين تم تكوينهم في موسكو وأن لهم علاقات متطورة مع الكرملين مما «سهل» تغيير الموقف الإستراتيجي الرسمي. وتخشى البلدان الإفريقية المجاورة من انتشار عدوى الانقلابات العسكرية في المنطقة بعد أن شرعت جلها في الدخول في عمليات انتقال ديمقراطي تحت مساعدة ورقابة أوروبية.
مستقبل التواجد العسكري الفرنسي في الميزان
طرد السفير الفرنسي من باماكو يرجع مسألة الانسحاب الفرنسي العسكري من منطقة الساحل الإفريقي على طاولة قصر الإليزيه. قوة «برخان» الفرنسية المتواجدة في المنطقة ليست من قرارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لكنها «تركة» الرئيس فرنسوا هولاند الذي قرر تشكيل قوة «سرفان» عام 2013 لمقاومة الحركات الجهادية في المنطقة وحماية المصالح الفرنسية فيها. وقد قرر ماكرون إعادة النظر في قوة «برخان» بخفض عدد الجيوش المستخدمة من 5000 إلى 2500 جندي. وشرعت فرنسا في الانسحاب من 3 قواعد عسكرية في مالي وإعادة نشر جيوشها في تشاد ومنطقة الحدود الثلاثية. واتجهت القيادة العسكرية إلى استخدام الطيران العسكري والدرون الموجه لضرب مواقع الجهاديين واستهداف قياداتهم.
لكن التواجد العسكري الفرنسي ضمن، إلى حد الآن، حماية المصالح الفرنسية في مالي وغيرها من البلدان الإفريقية. ولم تصرح باريس عن نيتها تغيير هذا الوضع في ظروف دخول القوات الروسية المنطقة عبر منظمة «فاغنار». بعض الخبراء العسكريين صرحوا للقنوات الفرنسية أن باريس لا تعتزم الخروج من منطقة الساحل الإفريقي وانها تريد ضمان نفوذها في المنطقة وتطوير قدراتها العسكرية عن بعد حتى تخرج من الصورة أمام المواطنين الذين أصبحوا يتذمرون من الدوريات العسكرية في شوارع البلاد الشيء الذي أحيا الشعور بالاستعمار «الجديد» المسلط على البلاد التي لازالت تعاني من الحركات الجهادية ومن الأزمة الاقتصادية. وتواجه باريس، في هذا الإطار، موجة حقيقية من الدعم الشعبي للقوات العسكرية بعد أن فشل المدنيون في تحقيق الأمن والنمو للبلاد. وهو رهان جديد يضاف إلى الرهانات التي يواجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل الشروع في حملته الانتخابية لولاية ثانية.
المجلس العسكري المالي يقرر طرد السفير الفرنسي في باماكو: هل هي نهاية العلاقات مع فرنسا؟
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 09:56 02/02/2022
- 898 عدد المشاهدات
أعلنت السلطات العسكرية الحاكمة في مالي يوم الإثنين 31 جانفي عن طرد السفير الفرنسي في باماكو جوال مايار ومنحه 72 ساعة لمغادرة البلاد.