على ملهى “الباتاكلان” وملعب كرة القدم بالعاصمة ومقاهي شارع فولتير في باريس والتي خلفت 130 ضحية و 400 جريحا. تفتتح محاكمة الإرهابيين المتورطين بعد ست سنوات وعددهم 20 نفرا ساهموا بطريقة أو بأخرى في تدبير العمليات الإرهابية وتنفيذها. وسوف ينكب القضاة على دراسة مليون صفحة في 542 مجلدا من التحقيقات. ومن المنتظر أن يتم النطق بالحكم بعد 8 أشهر في أواخر شهر ماي 2022.
سوف تشكل هذه المحاكمة دون شك الحدث الأهم في فرنسا لطول مدتها (ثمانية أشهر) وتزامنها مع السنة الانتخابية التي سوف تتوج بانتخاب الرئيس والمجلس النيابي بين أفريل وجوان 2022. وستكون مسألة مقاومة الإرهاب على جدول أعمال الحكومة وعلى جداول كل الأحزاب المتنافسة على السلطة. ولن يتأخر المشهد السياسي عن إدراج وتوظيف المحاكمة في صلب الحملة الانتخابية القادمة.
صالح عبد السلام وشركاؤه
أشهر المتهمين في القضية دون منازع هو صالح عبد السلام الذي تم القاء القبض عليه في بروكسل وتسليمه للسلطات الفرنسية. لكن عبد السلام رفض الكلام والإجابة عن أي سؤال من المحققين إلى حد اليوم هذا. وكان أعوان الأمن في فرنسا قد قاموا بتصفية سبعة إرهابيين شاركوا مع عبد السلام في عمليات باريس. المحاكمة سوف تنظر في ملفات 33 متهما يمثلون حضوريا أمام القضاة. وهم متهمون بمساعدة فريق الإرهابيين بطرق عدة من بينها تسهيل السفر والتنقل وكراء السيارات وتوفير المسكن والمؤونة ووسائل الاتصال وتمويل كل العمليات اللوجستية. 33 متهما من جنسيات مختلفة جميعهم من أصل عربي أو مسلم (بلجيكا، فرنسا، الجزائر وباكستان) سوف يمثلون أمام القضاء الفرنسي.
وأثبتت الأبحاث وجود غائبين عن المحاكمة وهم أشخاص شاركوا في تدبير العمليات الإرهابية بباريس. إضافة إلى السبعة الذين تمت تصفيتهم على عين المكان، ذكر تقرير أمني أن أربعة إرهابيين تم قتلهم في بلجيكا منهم ثلاثة في عمليات 22 مارس 2016 ببروكسل. ويشمل الاتهام 5 كوادر من داعش يعتقد أنهم قتلوا في قصف جوي أمريكي في سوريا ويبقى الأخوان كلان اللذان تبنيا العمليات متهمين صحبة البلجيكي أسامة عطار الذي نظم الهجمات مع السوريين عبيده عارف ديبه وعمر ظريف المسؤول على تجهيز المتفجرات.
خلية العمليات الخارجية
وأبرزت الأبحاث التي قام بها 9 حكام تحقيق فرنسيين بمشاركة الأجهزة الأمنية لأربع عشرة دولة أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وجود «خلية للعمليات الخارجية» لتنظيم داعش الارهابي كانت متمركزة في مدينة الرقة بسوريا. وكونت الخلية شبكة من المشاركين بين الرقة (سوريا) وباريس وفيرفيه (بلجيكا) وأثينا (اليونان) وبودابست (المجر) لتنظيم وتنفيذ العمليات في باريس وبروكسل.
وذكرت التقارير الأمنية أن الخلية متعددة الجنسيات شارك فيها سوريون وعراقيون وأتراك وفرنسيون وبلجيكيون من أصل عربي إضافة إلى الأخوين كلان الفرنسيين اللذين اعتنقا الإسلام الجهادي وتبنيا العمليات في باريس. ويعتقد أنه تمت تصفيتهما في احدى الغارات الجوية في سوريا. واكدت الأبحاث أن تفعيل الشبكة ساهم فيها تكوين داعش الارهابي الذي كان يتحكم في أراض شاسعة في سوريا والعراق وكان يتمتع بإمكانيات لوجستية عريضة.
المحاكمة
أعطت السلطات الفرنسية لهذه المحاكمة «الخاصة» أهمية قصوى لما لها من دور في تركيز فكرة مقاومة الإرهاب بالطرق والأساليب الديمقراطية والالتجاء إلى دولة القانون بعد خوض «الحرب على الإرهاب» بأساليب القتال المعروفة. فبنت لها قاعة خاصة في صلب قصر العدالة بباريس لإيواء 1800 مدعيا بالحق المدني و400 ضحية و300 من محاميهم إضافة إلى 30 محاميا للدفاع. وقررت السلطات القضائية تسجيل وبث وقائع المحاكمة على قناة خاصة في شبكة إنترانت لتغطية 140 يوما مبرمجة للمحاكمة (استجوابات وشهادات ومرافعات وإصدار الاحكام).
ولئن كان الرأي العام الفرنسي والدولي قد تلقى معظم المعلومات عبر الصحافة وهي المتعلقة بتفاصيل القضية فإن تنظيم المحاكمة له بعد سياسي يدخل في دعم استراتيجية مقاومة الحركات الإسلامية التكفيرية. لذلك سوف تدلي وجوه سياسية بارزة بشهاداتها أمام المحكمة وفي مقدمتهم الرئيس السابق فرنسوا هولاند ووزيره الأول مانويل فالس ووزير الداخلية الأسبق برنار كازنوف ووزير الخارجية الحالي جون إيف لودريان. محاكمة تبث على الهواء في أجواء انتخابية يتحكم حدث في حد ذاته. لكن تنظيم محاكمة من هذا الحجم في ظروف ساخنة تهز المشهد السياسي الممزق بين تيارات شعبوية وحركات راديكالية تكتسح الشارع بصفة دورية يمكن أن تؤثر على مسار الحملة الانتخابية وربما على نتائجها.