إدوار فيليب وذلك حسب بروتوكول الجمهورية وشرع الوزير الأول الجديد في اختيار الوجوه الحكومية بالتنسيق مع رئيس الدولة إيمانويل ماكرون. وكان جون كستاكس قد شغل منصب أمين عام مساعد للرئاسة في عهد هولاند عندما كان ماكرون زميله في نفس الخطة. ويعرف أن بين الرجلين تقارب في الآراء واحترام متبادل.
التركيبة المعلنة للحكومة (32 وزارة من بينها 17 منحت لوزيرات) أظهرت أن الرئيس أبقى على مناصب الخارجية (جون إيف لو دريان) والدفاع (فلورونسبارلي)و المالية (برونو لومار).و تأكد بقاء بعض الوجوه الأخرى التي تألقت في خوض إصلاحات رئاسية وضمان تواصل – ولو متعثر أحيانا – مع الرأي العام لتمرير إصلاح التعليم (مع جون ميشال بلنكار) ووضعية المرأة و العائلة (مع شياباص) والتصدي لجائحة كورونا (مع وزير الصحة أوليفيه فيرين ووزيرة التعليم العالي فريديريك فيدال) وضمان علاقات عمل متواصلة مع الشركاء الاجتماعيين من نقابات ورجال أعمال ومؤسسات المجتمع المدني (مع وزيرة الشغل إليزابيت بورن ووزيرة الشؤون الاجتماعية ووزير النقل ألكسندر جباري).
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
في المقابل تم الاستغناء عن وزير الداخلية كستنار بسبب انتفاضة أعوان الشرطة ضده، والانتقادات العديدة التي طالت ممارساته خلال أزمة السترات الصفراء والإضرابات ضد قانون التقاعد. وقد تم استبداله بوزير الخزينة السابق جيرالد درمانان، النجم الصاعد لتشكيلة ماكرون الحكومية. ولم تنج وزيرة العدل نيكول بللوبي من صمود المحامين أمام فرض قانون للتقاعد اعتبروه مهددا لمصالحهم في حين كان للقطاع قانونا خاصا بهم ومربحا ولا يخضع للتمويل الحكومي. وتم الاستغناء في التشكيلة الحكومية الجديدة عن وجوه تعلقت بها مشاكل مع الصحفيين والرأي العام مثل الناطقة الرسمية باسم الحكومة. في العموم هنالك 8 وجوه جديدة في الحكومة لا تعطي الانطباع بتغيير جذري بل بتغليب وجود النواب والسياسيين وأصحاب الخبرة في مجال الأعمال.
مفاجأتان وكسب سياسي
تعيين وجهيين في الحكومة كان مفاجأة للجميع. التعيين الأول شمل وزير العدل الجديد إيريك دوبون موريتي وهو محام معروف بصموده أمام القضاء وبتواجده في وسائل الإعلام. وهو يعطي انطباعا بأنه «معارض» لسلطة القضاة مما جعل الصحافة تتساءل عن مغزى تعيين شخصية «مشاكسة» على رأس وزارة العدل. المفاجأة الثانية تعلقت برجوع روزلين باشلو للعمل السياسي بعد أن كانت وزيرة (يمينية) تقلدت حقيبتين في حكومة فرونسوا فيون قبل الانقطاع عن العمل السياسي وخوض معركة العمل الصحفي في التلفزيونات الفرنسية. ووجودها في منصب وزيرة للثقافة يهدف إلى إعطاء بريق لوظيفة تسهيل العلاقة مع الإعلام في ظروف قادمة تتسم بخوض معركة الإصلاح والانتقال الإيكولوجي.
التعيينات الجديدة كرست تدعيم التوجه اليميني لسياسة الحكومة بالرغم من أن الوزير الأول جون كستاكس أقرب إلى اليسار منه الى اليمين وأنه يعرف نفسه بـ«الغولي الاجتماعي» أي مناصر لسياسات الجنرال دي غول الذي ضمن في أول حكومة له بعد الحرب دعم الحزب الشيوعي في سن قوانين اجتماعية لصالح الشغالين و الطبقة المتوسطة. و أظهر الرئيس ماكرون هذه السنة قربا للجنرال عبر مراسم الذكرى التي ترأسها و استعمال نفس الخطاب الذي عرف عن دي غول. وهو رمز يشير إلى تقارب واضح بين الرئيس و وزيره الأول.
أي برنامج في المرحلة المتبقية من ولاية ماكرون؟
من البديهي في الجمهورية الخامسة أن الرئيس يقرر السياسات الكبرى وأن الوزير الأول يحدد سياسة الحكومة. في تلك المعادلة اختيار رجل سياسي على رأس الحكومة (رئيس بلدية صغرى) وإداري من الطراز العالي (خريج مدرسة الإدارة مثل ماكرون) يعطي الإنطباع أن الوزير الأول سوف يتقلد منصب «المطبق الأول» لسياسات ماكرون في مرحلة تؤسس لخوض معركة الولاية الرئاسية الثانية مع حلول سنة 2022. في هذا الإطار، سوف تكون مهمة الحكومة ورئيسها تطبيق الإصلاحات التي تضمن الخروج من الأزمة الصحية و الاقتصادية قبل خوض المعركة الرئاسية.
الجديد في السياسات المبرمجة هو إستكمال المفاوضات في قانون التقاعد بالرغم من رفض قطاعات عريضة له وكانت الحكومة السابقة أعطت الإشارة إلى تخليها عن المشروع بحلول أزمة كورونا. ويعتقد البعض في باريس أن هذه المسألة تكمن وراء تخلي ماكرون على إدوار فيليب في المرحلة المقبلة. الملف الثاني، وهو على مستوى أقصى من الأهمية، يتعلق بالانتقال الإيكولوجي. تعيين بربراه بومبيلي كوزيرة للإيكولوجيا هو رمز في حد ذاته, فهي قد تخلت عن حزب «أوروبا الإيكولوجيا والخضر» لتلتحق بحزب ماكرون «الجمهورية إلى الأمام» وهو توجه «يتطابق» مع الرئيس. والهدف من هذا التعيين أخذ الريادة في مسألة المناخ و التحول الإيكولوجي لأن ماكرون لا يريد لحزب الخضر الذي هو في صعود مذهل أن يستفرد بهذا الملف الواعد مع العلم أن حكومة ماكرون الأولى شرعت في إصلاحات إيكولوجية ونظمت «المؤتمر المواطني للبيئة» الذي قدم توصياته التي قبل الرئيس معظمها. في المعركة القادمة يحتاج ماكرون الى مواصلة التحول الإيكولوجي تحت قيادته من أجل سحب البساط تحت أرجل الخضر وزعيمهم يانيك جادو الذي ينوي منافسة ماكرون على الرئاسة. في هذا الإطار يصبح دور الوزير الأول حاسما في إنجاح مخططات إيمانويل ماكرون وضمان فوزه بولاية ثانية.