و فرض حالات الحظر الصحي و التباعد الجسدي من أجل مقاومة انتشار فيروس كوفيد -19. وتحولت المطارات إلى مأوى عالمي للطائرات دون أن تعرف شركات الطيران العالمي متى ستستأنف نشاطها.
و اعتبرت المنظمة العالمية للطيران المدني أن الأزمة الحالية في قطاع الطيران التي تضرب كل القارات غير مسبوقة في حين قال ألان باتيستي رئيس الفدرالية الفرنسية للملاحة التجارية أن العالم لم يشهد أزمة مثل هذه منذ الحرب العالمية الثانية. ويختلف وضع الشركات و البلدان في كل القارات لا يمكن تحديد موعد الرجوع إلى الحالة الطبيعية للطيران التي كانت قبل اندلاع جائحة كورونا. و تبقى كل الفئات الشعبية التي اعتادت التنقل في موسم الصيف في انتظار قرار رفع منع السفر ومعرفة مدى جاهزية المنشآت السياحية للرجوع لسالف نشاطها.
أرقام خيالية لحالة استثنائية
مع تعطل نشاط أكثر من نصف البشرية، سجل قطاع الملاحة الجوية أرقاما قياسية غير معهودة. فقد سجلت منظمة الملاحة الجوية العالمية تقهقرا تاريخيا في عدد المسافرين الذي فاق 1،2 مليار مسافر في شهري مارس و أفريل. و من المنتظر أن يرتفع هذا العدد في الأشهر القادمة. و تتوقع المنظمة فقدان 25 مليون موطن شغل في القطاع خلال سنة 2020. وهو ما يؤثر على قدرات شركات الطيران على استرجاع نشاطها المعتاد.
بالنسبة للخسائر المادية ، أعلنت المنظمة العالمية للملاحة الجوية أنها سوف تفوق 250 مليار دولار، أي 30 % من المعاملات السنوية. لذلك اعتبر ألكسندر دي جزنياك رئيس المنظمة أنه «في صورة تواصل الحال على ما هو عليه فان نصف شركات الطيران في العالم سوف تفلس مع حلول شهر جوان 2020.» وعلى سبيل المثال، أعلن كارستن سبور رئيس «لوفتنزا» الألمانية، أكبر شركة طيران في أوروبا،أن الشركة «تخسر مليون يورو في الساعة الواحدة». وهو رقم يشابه الأرقام المسجلة في باقي الشركات مثل «آر فرانس» أو «بريتيش آروايز» مما يفسر مخاوف المسؤولين على قطاع الطيران في العالم.
غلق بعض المطارات
وأدى الوضع إلى تقليص جذري لنشاط المطارات في أوروبا و أسيا والولايات المتحدة الأمريكية التي تضم أكثر من 80 % من الملاحة الجوية في العالم. وقررت ألمانيا غلق جزء من مطار فرنكفورت التي يمثل القلب النابض للملاحة في البلاد بسبب هبوط النشاط بنسبة تفوق 96 %. في مطار «هيثرو»اللندني ، أول مطار في أوروبا، الخسارة وصلت إلى 97 %. و لم يستقبل المطار إلا 200 ألف مسافر من بين المرحلين إلى بريطانيا، وهو عدد يمثل نشاط يوم واحد في المطار خلال الأيام العادية.
وقررت السلطات الفرنسية غلق مطار أورلي في باريس بالكامل لتخصيصه لإيواء الطائرات. واستعملت جزءا منه لتلقي الواردات الصحية القادمة من الصين و من البلدان المصنعة للأدوات الصحية الضرورية لمقاومة الفيروس. ومن الممكن أن يستأنف المطار الباريسي نشاطه في أواخر الشهر الحالي شرط أن يحترم الإجراءات الصحية المفروضة.
إفلاس بعض شركات الطيران
أول الشركات التي قضى عليها فيروس كورونا هي شركات الطيران «لو كوست». فقد قررت «لوفتانزا» غلق شركة «جيرمان وينغز» والتخلص من أربعين طائرة تابعة لها. كذلك الشأن بالنسبة لشركات «فلاي بي» و أربعة من ضمن الشركات التابعة ل»نورويجيان». و اضطرت شركة «إيزي جات» البريطانية إلى التخلي عن شراء 24 طائرة جديدة من نوع «أيرباص» لمواجهة الموقف. و في حين تتخبط كبرى الشركات الأوروبية ، التي تخضع لقوانين السوق الليبرالية ، و تحاول الصمود أمام مفعول الجائحة، عبر ويلي والش رئيس « بريتسش آيروايز» عن خوفه من إفلاس الشركة موضحا ان «الشركة برمجت الرجوع لنشاطها بصورة فعلية في جويلية القادم، لكننا نراجع الآن مخططاتنا» على ضوء مستجدات تواصل جائحة كورونا. في بريطانيا كذلك، قرر ريشارد برانسون، رئيس «فيرجين أتلانتيك» بيع اسهم في شركته ارتفعت إلأى 500 مليون دولار للتصدي لتقهقر شركاته الجوية.
أما العملاق الأخر، الولايات المتحدة الأمريكية، فإن أزمة كورونا أصبحت تهدد مصير 6 شركات كبرى (أماريكان، يونايتد، دلتا، ساوث واست و ألسكا آيرلاينز). وصرح في الخصوص رئيس شركة «بوينغ» دايفيد كالهون أن «شركة طيران كبرى سوف تعلن افلاسها» في الأيام القادمة، دون أن يفصح عن اسم الشركة. و انجر عن ذلك مباشرة هبوط مساهمات الشركات الستة في بورصة وول ستريت من 4 إلى 5%. و أجبر الوضع الشركات إلى تسريح العملة لتخفيف نسب الخسارة.
دعم مالي غير مسبوق
و في حين تتفاوض الشركات الأمريكية مع البنوك و البيت الأبيض لضمان دعم مالي يمكنها من الصمود في وجه الأزمة، أعلنت الخزينة أنها خصصت مبلغا أوليا ب 25 مليار دولار لإعانة الشركات على الحفاظ على العملة و التقنيين و طواقم الطائرات. و سوف تخصص 25 مليار دولار كضمان لدى البنوك للشركات في صورة ما إذا احتاجت إلى قروض. ويعتبر المختصون في وول ستريت أن هذه المبالغ لن تكفي لمنع الكارثة و أن الحكومة سوف تجد نفسها أمام خيار ضخ أموال إضافية أو ترك بعض الشركات تمشي للإفلاس.
في أوروبا، التي تشارك نفس الفضاء التنافسي، أقدمت الحكومة الإيطالية على تأميم شركة «أليطاليا» التي تشكو من عجز مالي و اهتزاز في الحوكمة منذ سنسن. أما في فرنسا فقد قررت الحكومة تخصيص 7 مليار يورو من الدعم لشركة «آر فرانس» إضافة لثلاثة مليارات من قبل الحكومة الهولندية لشركة «ك،ل،م». و يعتقد الخبراء أن الحكومتين لا بد أن تساهما في مرحلة استئناف النشاط بأموال إضافية لتمكين الشركة من الصمود أمام شركات الشرق الأوسط و الصين التي استرجعت قدراتها المالية و اللوجستية.
في ألمانيا قررت الحكومة دعم شركة «لوفتنزا» التي تشكو هي أيضا من فقدان قدراتها المالية بالرغم من أنها أول شركة أوروبية ناجحة. لكن فقدان المداخيل اليومية المتأتية من 760 طائرة جعلها، مثل باقي الشركات الخاصة، تجد نفسها أمام تهديد الإفلاس. كذلك بالنسبة لشركة «إيزي جات» البريطانية التي تمتعت بمساعدة مالية قدرها مليارين من الجنيهات الإسترلينية من قبل الحكومة و البنك البريطاني. موقف الحكومة البريطانية هو نفسه الذي اتبعته باقي الحكومات في اسبانيا وهولندا والبلدان الاسكندينافية وغيرها من بلدان العالم.
رجوع الرحلات
ولئن قررت حكومات فرنسا وإيطاليا واسبانيا وبريطانيا العظمى فرض حظر بأسبوعين على المسافرين القادمين من أوروبا إلى أواخر شهر ماي بسبب حرصها على إنجاح مرحلة الخروج من الحظر الصحي، فإن كل شركات الطيران تعمل على تحضير موعد استئناف الرحلات الداخلية في شتى البلدان وبعد ذلك الرحلات الأوروبية. ويبدو أن جل الشركات سوف تستأنف مختلف أعمالها ابتداء من بداية شهر جوان دون أن يعرف موعد فتح الحدود أمام الرحلات الدولية خارج المنطقة الأوروبية.
وطالبت نقابات الطيران الفرنسي الحكومة بفتح مطار «أورلي» الدولي الذي يحتضن الشركات المتوسطية وتلك التي تنقل المسافرين إلى إفريقيا و آسيا. وترتكز النقابات على الوضع الصحي الجيد في إفريقيا خاصة لدعم موقفها علما بأن جل البلدان الإفريقية لم تتضرر بنفس نسبة البلدان الأوروبية من فيروس كورونا و أن الجاليات المهاجرة من المغرب العربي و إفريقيا تنتظر رفع الحظر للسفر إلى بلدانها الأصلية.
لكن الرجوع التدريجي لن يتعلق بالمدى القريب فقط. أكبر الشركات الأمريكية أشارت إلى إمكانية رجوع النشاط مع سبتمبر بنسبة 25 % إلى أن تصل إلى 50 % مع آخر السنة. أما باقي الشركات فتبرمج الرجوع الفعلي إلى أنشطتها العادية مع حلول سنة 2021 أو حتى 2022. و يعتقد كارستن سبور ، رئيس «لوفتنزا» أن الشركة لن تستأنف نشاطها العادي قبل 2023. و سوف تواجه كل الشركات مشاكل جمة مع مشروع طرد عشرات الآلاف من العملة والموظفين في الأشهر القادمة. وهو وضع سوف يؤثر على شركتي «أيرباص» و «بويينغ» التي تصنع الطائرات. الأرقام المتاحة اليوم من قبل الشركة الأمريكية تشير إلى تقلص بنسبة 67 % من عدد تسليم الطائرات الجديدة وهو نفس الرقم المسجل عام 1962. و لا يعرف إلى حد الآن متى سوف تعلن الحكومات على فتح حدودها الدولية لتواكب مساعي شركات الطيران لاسترجاع نشاطها في خدمة المسافرين.