إيمانويل ماكرون الزعيمين الأوروبيين الأساسيين في القرار الأوروبي في شأن «البريكسيت» لتمرير موقفه الرامي إلى إعادة التفاوض في شأن الإتفاق المبرم مع أوروبا.
و تناقلت جل الصحف الأوروبية صورة بوريس جونسون، التي بثتها وكالة الأنباء الفرنسية، وهو يضع قدمه على طاولة أمام الرئيس الفرنسي في قاعة بقصر الإيليزي. ولئن كانت الصورة تعبر عن الجو الحميمي بين الرجلين - و لا تعني بالمرة «تعالي» بوريس جونسون بل هي مجرد رد هزلي على دعابة من ماكرون – فإن الملاحظين استغلوها للتعبير عن موقف الوزير الأول البريطاني «الهمجي» في ملف البريكسيت المتمثل في عدم قبول الاتفاق المبرم و عزمه على الخروج من أوروبا مهما كان الثمن، أي بدون اتفاق ، يوم 31 أكتوبر القادم.
موقف أوروبي موحد
قدم بوريس جونسون إلى أوروبا مطالبا ميركل و ماكرون بالتخلي عن مبدإ «الباكستوب» وهو «الشبكة الواقية» التي تبقي على الحدود مفتوحة بين الأيرلنديتين و تحافظ على فضاء جمركي موحد مدة التفاوض على نوع العلاقات القادمة بين أوروبا و بريطانيا. لكن جونسون وجد موقفا أوروبيا موحدا عبر عنه الرئيس الفرنسي قائلا:«مثل المستشارة ميركيل ، أنا واثق أن الذكاء الجماعي، و إرادة البناء، لا بد أن تسمح بالتوصل إلى حل ذكي في الثلاثين يوما القادمة إذا ما توفرت العزيمة من الجانبين ، وهو ما أريد أن أعتقده». و أضاف «مستقبل المملكة المتحدة لا يمكن أن يكون إلا في أوروبا» في تلميح واضح لقرب بوريس جونسون بطرح دونالد ترامب الانعزالي و المخاطر التي تحدق ببريطانيا العظمى في صورة حصول الخروج بدون اتفاق..
و ركز الزعيمان الأوروبيان على التمسك بالاتفاق المبرم مع لندن وفي نفس الوقت على استعداد أوروبا للتوصل إلى حل نهائي يرضي الجميع، عبر كبير مفوضيها. ميركل قالت «لم لا في ثلاثين يوما» قبل أن تصحح قولها بعد رحيل بوريس جونسون للتعبير عن أنها لم تفرض مهلة أخيرة بل أنها تسعى إلى حل في أقرب الآجال. و اعتبر الرئيس الفرنسي أن الإبقاء على «الشبكة الواقية في ايرلندا «شيء أساسي» لأنه يحفظ اتفاق السلام في أيرلندا المبرم عام 1998.
مشكلة بريطانية داخلية
في حين كانت المستشارة مرحبة بحل سريع، أظهر الرئيس الفرنسي موقفا أكثر حزما و طالب بوريس جونسون ب «الوضوح» و«الشفافية» و تقديم حلول بديلة لأن أوروبا تحتاج إلى «رؤية واضحة». واعتبر ماكرون أن القضية أعمق من ذلك لأنها مشكلة سياسية بريطانية. لذلك اعتبر أن «خيارا سياسيا لا بد أن يتخذ من قبل الوزير الأول، و لا يرجع ذلك الينا».
موقف ماكرون بني على ما حدث إثر توقيع الاتفاق مع تريزا ماي الذي قد يفضي إلى خروج منظم و سليم. لكن رفض البرلمان الاتفاق عدة مرات أدى إلى انسحاب الوزيرة الأولى تاركة مكانها لبوريس جونسون الذي يواجه معارضة من مجلس العموم في مسألتين أساسيتين تتعلقان بالبريكسيت. الأولى هي رفض «الخروج بدون اتفاق» - وهي الإستراتيجية السياسية الوحيدة لبوريس جونسون - ، والثانية إرغام الوزير الأول قانونا على تقديم مشروعه للخروج من الإتحاد الأوروبي للمصادقة على البرلمان. أمام الموقف الفرنسي الحازم أكد بوريس جونسون أن «المملكة المتحدة لا تريد بأية حال إعادة التفتيش على الحدود» بين الأيرلندتين مضيف لضيفه الفرنسي في خطوة يائسة «دعنا نحقق البريكسيت. لنقوم به بطريقة حساسة و برغماتية وفي صالح الجانبين، وليس علينا أن ننتظر 31 أكتوبر». و لم يكن بوسع الوزير الأول إلا القول إن «هنالك حلولا تقنية موجودة « لتفادي التفتيش على الحدود.
مفاوضات صعبة في قمة السبعة
أسبوع قبل انعقاد قمة البلدان الصناعية السبعة في مدينة بياريتز الفرنسية (24 - 26 أوت)، أظهر بوريس جونسون وجهين، الأول يرغب في التفاوض مع أوروبا من أجل حل نهائي ينسف «الشبكة الواقية» و يسهل عملية الطلاق التوافقي و الثاني وجه «المحارب» الذي دخل معركة هدد فيها بوقف حق التنقل الجاري به العمل في الإتحاد الأوروبي و الذي يهدد 3 ملايين أوروبيين مقيمين في المملكة. وجهان سوف يذهب بهما بوريس جونسون الى قمة السبعة لملاقاة دونالد داسك رئيس المجلس الأوروبي الذي قابل صعوده للحكم ببرودة . و قد سبق لرئيس المجلس الأوروبي أن قال من ساندوا البريكسيت «بدون مشروع مخطط لهم مكان في جهنم». و سوف يكون، حسب مصادر من بروكسل، في الإستماع للوزير الأول البريطاني. لكن ، بالنسبة لنفس المصدر، الوضع يستدعي «قرائن جديدة وأفكار يمن العمل من أجلها» خاصة أن بوريس جونسون بعث برسالة لدونالد تاسك يوم الإثنين الماصي يطالب فيها بالتخلص من «الشبكة الواقية» المانعة لإعادة الحدود بين أيرلندا الشمالية و جمهورية أيرلندا.
في إطار مجموعة الدول السبعة، سوف يحصل بوريس جونسون على مساندة مطلقة من دونالد ترامب الذي سبق و ساند «بريكسيت حازم» و وعد البريطانيين بوقوف الولايات المتحدة بجانبهم في صورة خرجوا فعلا من أوروبا. وليس هذا الموضوع الوحيد الذي يجد فيه ممثل بريطانيا نفسه منافسا لأوروبا . بل هنالك عديد المسائل التي تتعلق بالعلاقة مع الصين و بالتجارة العالمية ، وهي مواضيع مطروحة على القمة، التي تتعارض فيها مواقف بوريس جونسن مع موقف باقي الأوروبيين. لكن الملاحظين يعتبرون أن قمة بياريتز لن تكون سوى قمة أخرى لا يخرج منها أي قرار. و قد أعلن اليابان قبل القمة أنه لن يصدر خلالها بيان ختامي. بل هي مجرد فرصة للتشاور في المسائل الدولية القائمة.
زيارة بوريس جونسون جددت اللحمة الأوروبية تجاه مخاطر البريكسيت و لن يكون لزعماء الدول الكبرى الذين يعانون، كل لحاله من مشاكل عدة (انتخابات، ركود اقتصادي، فضائح مالية، استقالة) الفرصة لتمرير مواقف حازمة. بل سوف تبرز القمة استراتيجيات الدول الكبرى في عالم متشتت بين قوى صاعدة و أخرى في حالة ركود مهددة بتدهور اقتصادي قادم مع تنامي اقتصاديات الدول الصاعدة.