قمة تاريخيّة بين أكثر رئيسين مثيرين للجدل: ترامب يبشّر بـ «عهد جديد» مع كوريا الشمالية

«الشجعان هم من يحققون السلام، واليوم بداية عملية شاقة لكن السلام يستحق الجهد».

.بتلك الكلمات بدأ الرئيس الامريكي دونالد ترامب اول محادثات تاريخية تعقد بين رئيس امريكي و-كوري شمالي في قمة استمرت لمدة 38 دقيقة لكنها لفتت الانظار حول العالم بكل ما تحمله من تفاصيل وما تخبئه من تطورات سيكون لها انعكاس على الوضع ليس فقط في شبه الجزيرة الكورية بل ايضا في مشهد العلاقات الدولية برمته».
وجاء انعقاد هذه القمة التاريخية بعد يومين من القمة السنوية للدول السبع المصنعة المنعقدة في كندا، وقد ظهر جليا خلال اطوار انعقادها حجم التباعد في الرؤى ووجهات النظر بين ترامب وباقي زعماء العالم وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا و اليابان وإيطاليا وبريطانيا وكندا، وكذلك الإتحاد الأوروبي . وفي الوقت الذي دعت فيه فرنسا وكندا الى اتخاذ موقف مشترك في مواجهة السياسة «الانعزالية الأمريكية’’ ..جاء رد ترامب سريعا من قلب سنغافورة باجراء مصالحة ومحادثات سلام تاريخية مع بلد يعد من الاكثر الانظمة الانعزالية في العالم أي كوريا الشمالية.

أهم البنود
نزع السلاح النووي الكوري...وتدمير مواقع الصواريخ الباليستية ..ابرز ما جاء في الميثاق الموقع بين ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهي احد اهم التنازلات التي قدمها الزعيم الكوري الشمالي مقابل الغاء العقوبات المفروضة على بلاده ...في المقابل تعهد ترامب، بوقف المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، قائلاً إنه «ليس من اللائق أن تستمر المناورات بين سيول وواشنطن في الوقت الذي نجري فيه مفاوضات سلام مع الجارة الشمالية».  وأوضح ترامب أنه تلقى مقابل اللقاء تعهدا من كيم بنزع السلاح النووي والإفراج عن ثلاثة رهائن أمريكيين و التوقف لمدة سبعة أشهر عن إجراء الاختبارات الصاروخية والنووية.
واللافت هو اجواء الود التي طبعت اول مصافحة بين اغرب زعيمين في العالم ارتبط حكمهما بقرارات وسياسات غير تقليدية واظهرا في كثير من الاحيان تشابها كبيرا في المواقف « الجنونية» والتي تخفي وراءها شخصيتين متشابهتين في الجدل والغرابة.

لقد انتظر العالم طويلا هذه المصافحة التاريخية في فندق كابيللا الفاخر بجزيرة سنتوزا بسنغافورة، وأمام أعين الكاميرات من كل دول العالم صافح كيم جونغ أون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبدا الزعيمان مرتاحين برغم الحرب الكلامية الكبيرة المتبادلة بينهما والتي شهد العالم اطوارها بكل ترقب وحذر طوال العام الماضي وسط مخاوف من وقوع حرب نووية ..الا ان الرئيسين فاجآ العالم وخالفا كل التوقعات بتوقيع ميثاق والاتفاق على توطيد العلاقات ، في هذا السياق عبر الرئيس الأمريكي عن شعوره بسعادة كبيرة، واعرب عن امله بان يكون النجاح حليف هذا الاجتماع..في حين قال كيم جونغ أون «التوترات كانت تضع غشاوة على أعيننا، ولكننا تغلبنا على ذلك كله ووصلنا إلى هنا اليوم.» ..ولم يتوان ترامب عن الاشادة بقدرات كيم على قيادة كوريا الشمالية في هذا العمر الصغير معتبرا انه موهوب للغاية وأعرب عن ثقته في أن يفي الزعيم الكوري الشمالي» بالاتفاق.

عداء تاريخي
وفي الحقيقة فان هذه القمة المنتظرة جاءت بعد 70 عاما من العداء بين بيونغ يانغ وواشنطن وذلك من اجل انهاء احدى اهم الملفات الشائكة والمعقدة في شبه الجزيرة الكورية ، والتي كانت حتى الامس القريب تهدد باشتعال حرب نووية في المنطقة.
ويعود الخلاف بين واشنطن وبيونغ يانغ الى الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية حينما انقسمت شبه جزيرة كوريا وتبنى الجزء الشمالي نظاما شيوعيا ستالينيا على خطى الزعيم السوفيتي ستالين. وذلك بعكس الجزء الجنوبي الذي سار في ركاب الولايات المتحدة ونظامها الليبرالي ..
وعلى الرغم من انعزال بيونغ يانغ عن المشهد العالمي الا انها تمكنت من تطوير قدراتها العسكرية والنووية بشكل بات يهدد اكبر القوى العسكرية في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية..ولطالما شرعت بيونغ يانغ في اجراء تجارب نووية شكلت تهديدا مباشرا لجارتها الجنوبية وفي نفس الوقت مثلت تحديا كبيرا واستفزازا للولايات المتحدة التي اعتبرت ان اختبار صواريخ باليستية عابرة للقارات وقادرة على الوصول الى واشنطن هو تجاوز لكل الخطوط الحمراء ..ومع مجي ء ترامب الى سدة الحكم بدأت الازمة تشهد تصعيدا اكبر مع تهديدات كلامية وصلت الى حد تحذير الرئيس الامريكي بالرد بـ«النار والغضب».. وذلك بعد قيام بيونغ يانغ بنجاح باختبار قنبلة هيدروجينية فجرت حينها حملة إدانات واسعة في أنحاء متفرقة من العالم. ودفع ذلك الرئيس الامريكي الى القول بان كل الخيارات مطروحة.. لكن بعد عام من التهديدات يبدو ان الخيار الاهم المطروح بالنسبة لرئيس البيت الابيض هو الجلوس الى طاولة المفاوضات والدخول في محادثات صلح مع نظيره الكوري الشمالي.

مصالح امريكية
ولعل السؤال المطروح مالذي دفع ترامب الى التراجع عن كل التهديدات السابقة التي اطلقها بحق بيونغ يانغ ؟
في الحقيقة فان لقاء ترامب ..مهدت له المصالحة التاريخية التي انعقدت بين الرئيس الكوري الشمالي ونظيره الجنوبي، قد اسهمت في اذابة جبل الجليد وتعهد خلالها الرئيسان بفتح صفحة جديدة من السلام والمصالحة بين شطري شبه الجزيرة الكورية. وقد تمخضت عنها قرارات هامة منها نهاية «الأنشطة المعادية» بين البلدين، تغيير المنطقة المنزوعة السلاح والدفع باتجاه محادثات اوسع تشمل الولايات المتحدة والصين وجاء خلاصة لسنوات من العمل لتحسين العلاقات بين الجارتين اللدودتين ... هذه المصالحة بحسب متابعين من شانها ان تدشن عهدا جديدا في المنطقة من الرخاء والازدهار الاقتصادي والتجاري لبلدان النمور الاسيوية الصاعدة بقوة بشكل بات ينافس اقوى اقتصاديات العالم وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية ..ولئن اتخذ اللقاء بين ترامب وجيم بعدا سياسيا الاّ ان سياسات ترامب برهنت ان الاخير لا يوقع على أي ميثاق دون مقابل.

سياسات جدلية
والمعلوم ان خيارات الرئيس الامريكي فيما يتعلق بخروجه من الاتفاق المناخي والاتفاق النووي الامريكي وفرض ضريبة إضافية على المنتوجات الأوروبية و تهديد شركاتها التي تواصل التعامل مع ايران ، واعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال الاسرائيلي ..كل هذه المواقف لم تجلب سوى المزيد من الازمات في اكثر من منطقة في العالم ... الامر الذي دعا قادة الاتحاد الاوروبي خلال القمة الاخيرة المنعقدة في كندا الى تشكيل تحالف ضد دونالد ترامب إن لم يغير في سياساته .
وفي الحقيقة فان ترامب منذ وصوله الى البيت الابيض بدأ باتخاذ سياسات غير مألوفة شكلت قطيعة مع النموذج الامريكي التقليدي في العلاقات الدولية واثارت جدلا واسعا..ففي الوقت الذي يفجر فيه اكبر ازمة في الشرق الاوسط من خلال اتخاذه قراره المشؤوم بنقل سفارة بلاده الى القدس المحتلة في تجاوز لكل الاعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بوضع القدس في ظل الاحتلال ومع حمام الدم الذي اعقب القرار... يعقد فيه الرجل قمة تاريخية مع زعيم كوريا الشمالية من اجل انهاء اكبر الملفات المعقدة والشائكة في العالم متباهيا بانه جاء ليصنع السلام في هذه المنطقة. فهل يكون ترامب صانع الحروب والأزمات في الشرق الاوسط ، هو نفسه صانعا للسلام في شبه الجزيرة الكورية؟ الايام القادمة وحدها تحمل الاجوبة الشافية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115