في عهد الرئيس دونالد ترامب. وهو أول زعيم أوروبي يزور واشنطن هذا الشهر قبل الزيارات المبرمجة للوزيرة الأولى البريطانية تريزا ماي و المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. و تدخل هذه الزيارات في إطار الضغط على الرئيس الأمريكي في الملف الإيراني حتى لا يقرر، كما أعلنه من قبل، الخروج من الإتفاق حول المشروع النووي الموقع عام 2015 في ولاية باراك أوباما مع مجموعة 5 + 1.
زيارة الدولة لها بعد بروتوكولي يتمثل في حفاوة استقبال و تمكين الرئيس ماكرون، بعد الحوار التقليدي في البيت الأبيض ، من حضور مأدبة عشاء في منزل الرئيس جورج واشنطن ومخاطبة النواب في الكونغرس يوم الأربعاء ثم طلبة جامعة جورج واشنطن نفس اليوم. و يصحب الرئيس ماكرون وزير الخارجية جون إيفل ودريان و وزيرة الجيوش فلورونس بارلي و وزير المالية برونو لومار. وهي القطاعات الأساسية التي سوف تتمحور حولها المباحثات السياسية بين الطرفين.
الخلافات العالقة
العلاقات التقليدية بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية اتسمت بقوة التماسك و تقارب النظرة في الملفات الدولية و ذلك بالرغم من تعاقب الرؤساء في البلدين و على اختلاف تموقعهم السياسي. لكن دخول دونالد ترامب للبيت الأبيض احدث شرخا في التصورات العامة التي تكون حولها نظام العولمة الذي يحكم العالم منذ ثمانينات القرن الماضي. مواقف دونالد ترامب في عدد من الملفات الخلافية بين البيت الأبيض و العواصم الأوروبية مثل الحرب على الإرهاب و الملف الإيراني و العلاقات الاقتصادية ومقاومة الاحتباس الحراري أدخلت نوعا من الفرقة بين الطرفين.
العلاقة «الخاصة» بين ماكرون وترامب بإمكانها توضيح الرؤية في غياب التوصل إلى اصطفاف البيت الأبيض مع الدول الأوروبية. ويراهن ماكرون، حسب ما صرح به قصر الإيليزي، على الحفاظ على علاقات متميزة مع الولايات المتحدة في الملفات التي تلعب فرنسا فيها دورا أساسيا مثل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي أين تساهم الولايات المتحدة في الدعم اللوجستي و الاستخباراتي، وفي صلب التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.
لكن إعلان ترامب الأخير قراره سحب الجيوش الأمريكية من سوريا في المستقبل القريب أربك مخططات ماكرون الذي يريد الحفاظ على ورقات ضغط ، على أرض الميدان، تسهل عليه المفاوضات النهائية للتسوية السياسية في الملف السوري المعقد. انسحاب أمريكا العسكري يترك فرنسا وحيدة أمام تغول روسيا و إيران و تركيا. وهو ما يضعف موقفها العسكري والسياسي في الملف السوري وفي منطقة الشرق الأوسط.
خطورة الملف الإيراني
سوف يحاول ماكرون إقناع الرئيس الأمريكي بعدم الخروج من الاتفاق حول الملف النووي الإيراني. و كان ترامب قد حدد موعد 12 ماي القادم للدول الأوروبية، قبل انسحابه من الاتفاق النووي، لتقديم تنقيح للاتفاق يتعلق أساسا بتكثيف الرقابة وبتمديد العمل به بعد 2030 كما ينص عليه الإتفاق الموقع عام 2015. لكن الرئيس الفرنسي أعلن قبل سفره لواشنطن ، في حوار مع قناة «فوكس نيوز» اليمينية المقربة لدونالد ترامب، أنه لا يمتلك بديلا للاتفاق الناتج عن 13 سنة من المفاوضات مع إيران والملزم للدول الموقعة.
من ناحية أخرى، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني نهاية الأسبوع أن إيران سوف تكون في حل من تعهداتها في صورة قررت واشنطن الخروج من الاتفاق. ولوح باتخاذ إجراءات عاجلة من بينها الرجوع إلى تخصيب اليورانيوم. وتراهن طهران على تغيير التوازنات الإقليمية لصالحها بعد نجاحها في تقوية النظام السوري في مواجهة المجموعات المسنودة من قبل الدول الغربية و دول الخليج و استرجاع أكثر من 70 % من الأراضي السورية المحررة من الفصائل المقاتلة بدعم مباشر من روسيا و إيران. يجد هكذا الرئيس ماكرون نفسه بين نارين: التعنت الأمريكي الذي يرمي عرض الحائط بالاتفاق النووي و يفتح الباب أمام بروز قوة نووية تهدد أوروبا ومن جهة أخرى، عدم قدرته على تغيير التوازنات لصالح فرنسا وأوروبا في صورة استئناف إيران مشروعها النووي العسكري. مما يدخل المنطقة في سباق نووي خطير بعد أن أعلنت مصر و السعودية على نيتهما الحصول على القنبلة النووية في صورة استرجعت طهران حريتها في هذا الميدان.
و يعتبر المراقبون الغربيون أن تعيين شخصيات تعتبر «صقورا» مثل مايك بومبيو و جون بولطن على رأس وزارة الخارجية و مجلس الأمن القومي من قبل دونالد ترامب لا يسمح بتراجع البيت الأبيض عن قراراتها خاصة بعد إعلان كوريا الشمالية قبولها بتجميد برنامجها النووي و قبولها التفاوض في نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية تحت ضغط دونالد ترامب وتهديده بتدمير نظام بيونغ يانغ.
الملف الإقتصادي
يشكل الملف الاقتصادي ، مع ملف الاحتباس الحراري، الخلاف الثاني المهم في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها الغربيين و من بينهم فرنسا. و لو أن قصر الإيليزي يعي بعدم قدرته على تغيير الموقف الأمريكي القاضي بتسليط زيادة قدرها 25 % على الصلـب و10 % على الألمنيوم الأوروبي، فإن الزيارة سوف تحاول بلورة الموقف السياسي الفرنسي و الأوروبي الرامي إلى تدعيم العلاقة مع الولايات المتحدة في ظل التوازنات الدولية.
و يأخذ الملف التجاري حيزا كبيرا في التصدي للدور الروسي و الدور الصيني في الإخلال بالتوازنات التقليدية التي أصبحت تهدد المصالح الأوروبية. و يرمي ماكرون إلى لعب دور أساسي في بلورة علاقات جديدة مع البيت الأبيض خاصة بعد «البريكسيت» و أفول نجم المستشارة الألمانية في الانتخابات التشريعية الماضية. و يريد من خلال ذلك لعب دور الوسيط و المحاور الأساسي بين أوروبا و الولايات المتحدة في شأن الملفات الدولية الساخنة.
كل هذه الملفات المفتوحة لن تساعد ماكرون على الحصول على ما يصبو إليه بسهولة ودون أن يغنم الرئيس الأمريكي من ذلك شيئا يعزز موقفه في الداخل و على صعيد العلاقات مع الدول الأوروبية. لكن سياسة حماية المصالح الأمريكية التي يدعمها ترامب لا تخدم المشروع الماكروني الرامي إلى إعادة هيكلة الإتحاد الأوروبي. و سوف تكون زيارات القادة
الأوروبيين الآخرين إلى واشنطن مناسبة لتقييم مدى تأثير أوروبا في العلاقات الدولية و قدرتها على بلورة استراتيجيات رائدة في عالم متعدد الأقطاب.