دولية اخرى في سياق التوتر المتزايد بين البلدين بسبب قضية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في لندن ،واتهام حكومة فلاديمير بوتين بالضلوع في محاولة الاغتيال . ولئن بدأت حدّة الصراع بين البلدين في التصاعد يوما بعد يوم نتيجة تمسك بريطانيا باتهاماتها وتمسك الطرف الروسي بالنّفي، فقد كان للتّضامن الغربي الدولي الكبير مع حكومة تيريزا ماي اثر كبير على مسار الخلاف بين البلدين اذ أضفى هذا الاصطفاف الأوروبي سمة اكثر شمولية لتصبح ازمة بين موسكو من جهة والغرب من جهة اخرى.
ويرقد سيرغي سكريبال البالغ من العمر 66 عاما وابنته يوليا ابنة الثالثة والثلاثين في المستشفى في حالة حرجة منذ الرابع من مارس الجاري بعدما عثر عليهما فاقدي الوعي على مقعد خارج مركز للتسوق في مدينة سالزبري جنوب إنجلترا.
يشار الى ان ّالتوتر الاخير بين لندن وموسكو لم يقتصر على التصريحات اذ ان اولى الخطوات التي اقدمت عليها حكومة تيريزا ماي هي طرد 23 دبلوماسيا روسيا احتجاجا على محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق . وهذه الخطوة قابلها رد مماثل من موسكو التي طردت بدورها 23 دبلوماسيا بريطانيا من اراضيها .ورفضت لندن التعاون مع موسكو في تحقيق حول تسميم الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال على الأراضي البريطانية. وردت روسيا الفعل داعية لندن إلى «التخلص من عقدة الخوف من روسيا» ومرجحة وقوفها وراء ما تصفه بـ«الهجوم الإرهابي».ولئن خلق هذا الاتهام البريطاني الصريح لحكومة بوتين توترا كبيرا بين الجانبين فانه خلف ايضا حملة اصطفاف كبيرة وراء لندن مقابل توجيه الاتهام الى موسكو.هذا الاصطفاف الذي بني على اتهام يعتبر وفق مراقبين موقفا غربيا من ضمن مواقفه وسياسته المعادية لروسيا منذ اندلاع الازمة الاوكرانية والتي تلاها فرض عقوبات اوروبية كبيرة على الجانب الروسي. اذ لم تقتصر أزمة تسميم الجاسوس الروسي وابنته في لندن على تسمّم العلاقات الروسية البريطانية بل انها انسحبت أيضا على العلاقات الروسية -الأوروبيّة الغربية. ولعلّ الاجراءات التي اتخذتها أمس عدة دول اوروبية بطرد عشرات الدبلوماسيين الروس من أراضيها احدث مثال على هذا الاصطفاف الغربي خلف بريطانيا لعدة أسباب منها المُعلن ومنها الخفي.
تطوّرات سريعة
وأعلنت عدة دول غربية امس طردها دبلوماسيين روس برتب مختلفة من أراضيها واول هذه الدول كانت ألمانيا التي طردت 4 دبلوماسيين امس معللة ذلك بـ «هجوم التسميم في سالزبري (بإنقلترا) ‹› قائلة ان›› روسيا ما زالت غير متعاونة فيما يتعلق بالتحقيق».كما طردت فرنسا 4 دبلوماسيين وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن الدبلوماسيين مطالبون بمغادرة البلاد في غضون أسبوع. فيما أكّدت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي انّ خطوة طرد الدبلوماسيين الرّوس رسالة إلى موسكو لوقف انتهاكاتها للقانون الدّولي.
كما طردت أوكرانيا 13 دبلوماسيا، بينما طردت إستونيا الملحق العسكري الروسي، وطردت هولندا اثنين من الدبلوماسيين وكندا طردت 4 مسؤولين.كما أعلنت لاتفيا وليتوانيا وجمهورية التشيك والدنمارك طرد دبلوماسيين روس تضامنا مع بريطانيا .
ولعل الرد الامريكي كان الاكثر صرامة اذ أعلنت الولايات المتحدة طرد 60 مسؤولا وصفتهم بالـ«جواسيس الروس». وجاء في تصريحات مسؤول في الإدارة الأمريكية أن 48» «عميلا مخابراتيا معروفا» في القنصلية الروسية في سياتل (شمال غرب الولايات المتحدة) و12 من البعثة الروسية في الأمم المتحدة أمهلوا 7 أيام لمغادرة الولايات المتحدة وأيضا إغلاق القنصلية في سياتل « وفق تعبيره.
من جهتها اكدت موسكو انها ستطرد 60 على الأقل من أفراد البعثة الدبلوماسية الأمريكية، ردا على هذا القرار الامريكي مقابل دراستها للوضع المتعلق ببقية الدول الاخرى غير مستبعدة الرد بالمثل على الخطوات التصعيدية التي اتخذتها هذه الدول. وأكد السفير الروسي لدى الولايات المتحدة ان امريكا تدمر ما تبقى من العلاقات مع موسكو، مضيفا أنه احتج لدى الخارجية الأمريكية على الطرد «الجائر» للدبلوماسيين الرّوس.
من السرّ الى العلن
وفتحت هذه الإجراءات الغربيّة الباب على مصراعيه أمام مواجهة لطالما كانت مؤجلة بين موسكو والغرب ، إذ يرى متابعون أنّ ازمة الجاسوس الاخيرة اخرجت المواجهة غير المباشرة بين اوروبا وروسيا إلى نطاق الصراع العلني .
ويربط مراقبون هذا التوتر الغربي الروسي الاخير بعدة ملفات اقليمية ودولية اخرى تتعارض فيها استراتيجيات موسكو مع استراتيجيات جيرانها الغربيين لعل اولها كانت الازمة الاوكرانية التي ضمّت اثرها موسكو شبه جزيرة القرم وسط معارضة اوربية واسعة النطاق . وفتحت هذه الازمة انذاك الباب امام ازمة دولية واسعة دخلت روسيا اثرها فيما يشبه العزلة الدولية نتيجة حزمة العقوبات الاقتصادية الحادة التي فرضت على روسيا . ومن بين القضايا الاخرى التي تتضارب فيها سياسات روسيا من جهة والغرب وعلى راسهم امريكا من جهة اخرى هي الملف السوري والملف الكوري الشمالي المتعلق بالنووي الايراني وايضا الاتفاق النووي المثير للجدل بين الغرب وايران ، اذ تعدّ كل هذه الملفات المثارة محور الصراع الخفي بين الطرفين وهو الصراع الذي اخرجته قضية تسميم الجاسوس المزدوج الى العلن مجددا.