التاريخي الذي خسر مليون ناخب و63 مقعدا في البرلمان.
استفاقت ألمانيا الإثنين 25 سبتمبر على مشهد سياسي جديد سجل تقهقرا كبيرا لأحزاب الحكومة المتخلية (ديمقراطيين واشتراكيين) وتقدما تاريخيا لحزب البديل العنصري المتطرف الذي يدخل البرلمان لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية. و إن تمكن الحزب الليبرالي الديمقراطي من الرجوع للبرلمان بثمانين مقعدا بعد أن انسحب من المشهد السياسي عام 2013 فذلك لن يخفف من حدة الأزمة التي دخل فيها المشهد السياسي الألماني. و ذلك يشكل اخفاقا لسياسة التحالف بين اليمين و اليسار التي تركت شارعا مفتوحا أمام تشكيل معارضة يمينية متطرفة على خلفية أزمة اللاجئين و تعدد الهجمات الإرهابية من تنظيم داعش.
تغيير التحالفات
أعلن مارتن شولتز زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي قاد حملة حزبه الانتخابية عن أسفه للهزيمة مفسرا ذلك بتواصل التحالف مع الديمقراطيين المسيحيين لولايتين فتح الباب لصعود اليمين المتطرف. و قرر عدم تكرار تجربة حكومة الائتلاف مع أنجيلا ميركل. وهو إذ يعترف بالهزيمة يعبر عن التزامه «بإعطاء كل ما له من قدرة ومن خبرة لخدمة الحزب الإشتراكي» مؤكدا هكذا تزعمه المعارضة الجديدة لسد الباب أمام حركة النازيين الجدد الذين سوف يستغلون مجموعتهم البرلمانية (94 نائبا) لزرع الفتنة قصد الاستيلاء على الحكم.
قرار الاشتراكيين يفتح المجال أمام تحالف جديد من نوعه. لا يبقى للمستشارة من خيار إلا أن تتجه إلى الليبراليين و الخضر لتكوين أغلبية. وهي لم تيأس، حسب تصريحاتها الأولى، من تغيير الاشتراكيين رأيهم. لكن جل الزعماء الإشتراكيين عبروا عن رغبتهم في عدم الدخول تحت سقف ميركل الذي منعهم من تحقيق برامجهم و أظهرهم للرأي العام في صورة «المساعدين» للمستشارة لا كحزب عتيد له رأي للمجتمع وبرنامج قابل للتطبيق.
كوابيس الماضي
بدخول 94 سياسيا البرلمان، ينتمون للفكر المتطرف و لهم عزيمة قوية على «كنس أنجيلا ميركل» مطالبين بتقديمها للعدالة بتهمة فتح ألمانيا أمام عشرات المئات من المهاجرين من الشرق الوسط، تعود الكوابيس القديمة التي عانى منها المجتمع الألماني في القرن الماضي و التي أدت إلى تدمير البلاد بالكامل في الحرب العالمية الثانية و فرض وصاية على مؤسساته من قبل دول «العالم الحر». هذا الماضي غير البعيد يعود بقوة في تصريحات زعماء حزب البديل من أجل ألمانيا بعد الإعلان عن النتائج. فذهب أحد زعماء الحزب إلى القول .«كما أن الفرنسيين فخورون بنابوليون، والبريطانيين بنيلسن و تشيرشل، نحن فخورون بجنودنا المشاركين في الحرب العالمية الأولى و الحرب العالمية الثانية». مثل هذه العبارات المتبنية للفكر النازي تكررت خلال الحملة الإنتخابية و قامت مجموعات من المناصرين بتعطيل اجتماعات المستشارة في عدة مدن منادية بتنحيها عن العمل السياسي.
النتائج الجملية تشير إلى أن صعود الفكر المتطرف اليميني يسجل بصورة ملحوظة في أقاليم ألمانيا الشرقية سابقا (23 %) وفي إقليم الساكس (30 %). وهي نتائج مذهلة بالنسبة لحزب تكون عام 2013 على أنقاض الحزب الشعبوي الألماني الذي لم ينجح أن يدخل البرلمان أي أن يحصل على 5 % من الأصوات التي تمكنه من ذلك منذ الحرب العالمية الثانية . اليوم صعود اليمين المتطرف للبرلمان بالطريقة الديمقراطية يتزامن مع تقهقر الأحزاب التاريخية (الاشتراكية و المسيحية) التي كانت تسيطر على 80 % من الأصوات في السنوات الماضي و لم تحصل هذه المرة إلا على 53 % منها. وتخشى الأوساط السياسية أن تعود الساحة الألمانية إلى المشهد الذي أتى بأدولف عيتلر إلى الحكم بسبب التصريحات المتعددة النابية و العنيفة لزعماء حزب البديل من أجل ألمانيا المتطرف.
أي ملامح للحكومة الجديدة؟
دور المستشارة أنجيلا ميركل سوف يكون حاسما في المفاوضات القادمة لتشكيل أغلبية في البوندشتاغ مما يسهل انتخابها كمستشارة للبلاد. تعرف ميركل بقدراتها في التفاوض و في تقريب وجهات النظر المتباينة و كذلك في جمعها أحزاب مختلفة لا تتفق في كل جوانب العمل السياسي في إطار حكومة واحدة. وهو ما مكنها من ترأس حكومتين ائتلافيتين مع الاشتراكيين. و سوف تساعدها تلك الحنكة السياسية على الخوض في مشاكل المفارقات بين الليبراليين و الخضر. المعروف أن حزب الليبراليين الديمقراطيين ، الذي رجع بقوة للبرلمان (80 مقعدا من لا شيء) يرغب في عدم إعطاء حزب البديل المتطرف مساحة يمكن أن يترعرع فيها وهو لذلك يؤكد على إتباع سياسة يمينية واضحة وهو ما يعارض توجهات الخضر (76 مقعدا).
و سوف تكون مفاوضات تكوين الحكومة معقدة و طويلة. و يرتقب أن تنتهي في شهر ديسمبر القادم. طول المفاوضات يفسر بالنظام السياسي الألماني الذي يعتمد كتابة برنامج سياسي حكومي توقع عليه الأطراف الحاكمة في صورة «عقد حكومي» بعد التفاوض . آخر العقود الموقعة عام 2013 شمل 200 صفحة من البنود التي ضبطت تفاصيل القرارات والإجراءات المتفق عليها. وهي عملية تستهلك جهودا كبيرة و وقتا طويلا. وسوف يؤثر ذلك في الموقف الألماني من ملف إعادة صياغة البرنامج الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه. اليوم أكثر من قبل، تتجه الأنظار في أوروبا والعالم إلى ألمانيا لتتأكد من قدرة المجتمع الألماني على الصمود أمام طريق المجهول، والتمسك بالمشروع الوحدوي الأوروبي، الذي يمكن أن يقيه مخاطر قوى الرجوع إلى الماضي.