المعهود في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الحديث، أي ما بعد الحرب العالمية الثانية، أنها تريد منازلة صغار البلدان من حيث حجمها و قدراتها العسكرية مثل فيتنام وصربيا والعراق و سوريا و بلدان أمريكا الجنوبية أين أربكت النظم وساهمت في انقلابات عسكرية وتدخلات عسكرية. في المقابل تعتمد الدبلوماسية ومبدأ « الردع النووي» مع باقي القوى العظمى النووية. ومهاجمة كوريا الشمالية تدخل في جانب منها في هذا المضمار. لكن هذه الأخيرة أصبحت قوة نووية بعد أن قامت بخمس تجارب منها ثلاثة في عهد الرئيس الكوري الحالي تؤكد أن بلاده تمكنت من صنع القنبلة وهي قادرة على استخدامها. مع تطور صناعة الصواريخ العابرة للقارات أصبحت كوريا الشمالية «قوة نووية» تضاف لمجموع التسع الدول النووية في العالم و منها أربعة في المنطقة الآسيوية وهي الصين والهند وباكستان وروسيا وكوريا الشمالية.
على الصعيد الدولي انحازت أخيرا الصين ،الأسبوع الماضي، إلى الموقف الأممي الموحد الرامي إلى الضغط سلميا على كوريا الشمالية بموافقتها على قرار مجلس الأمن عدد 2371 الذي فرض عقوبات على نظام بيون يانغ قبلت باي جين المشاركة فيها. فهل يندرج التصعيد الأمريكي في إطار «البوكر الكذاب» أم أنه يفتح الباب على حرب حقيقية، خارجة عن إطار القانون الدولي، تكون عواقبها وخيمة على المنطقة وعلى العالم؟ كل شيء منتظر من القائد الكوري ومن ضيف البيت البيض.
فوائد تحويل الأنظار
مع تصاعد الحرب الكلامية تدخلت الصين الجمعة 11 أوت مطالبة الولايات المتحدة و كوريا الشمالية «بالتمسك بالحذر في الكلمات و في الأعمال و العمل على تهدئة الأزمة». في نفس الوقت عبرت روسيا، على لسان وزير خارجيتها سيرغاي لافروف، عن «قلقها من أن المخاطرة أصبحت مرتفعة خاصة إذا ما أخذ بعين الاعتبار الخطاب المستعمل».
في هذا الإطار، أول السيناريوهات يتمثل في الإبقاء على الوضع الحالي مع إلتزام الطرفين حدا أدنى من التلاسن الذي يليق بشخصية القائدين. الزعيم الكوري جند شعبه حول فكرة «المقاومة حتى الموت» للدفاع عن الوطن المهدد من القوة الإمبريالية الأولى حسب المفردات السياسية للنظام. و قد حشد الرئيس الكوري مظاهرة عارمة في بيونغ يونغ شارك فيها الملايين في محاولة لإظهار العضلات و تمسك الشعب الكوري بقائده. أما دونالد ترامب فإن الأزمة تعطيه تغطية إعلامية و تبعد الأنظار عن تبعات التحقيق المفتوح ضده في خصوص العلاقة مع روسيا.
السيناريو الثاني يدخل في إطار إستراتيجية دونالد ترامب الانعزالية التي أعلن عن بداية تنفيذها بالتخلي عن بعض المعاهدات التجارية. هذا التوجه يستوجب سحب الجنود الأمريكيين المرابطين في اليابان و كوريا، اللتين تتمتعان بالمظلة النووية الأمريكية ،و عددهم يفوق 80 ألفا. مما يجعل البلدين عرضة لهجوم محتمل. وهو ما يجعل التسلح النووي للبلدين «مشروعا» من وجهة نظر أمريكية. الحديث جار في كوريا منذ مدة حول الشروع في صناعة القنبلة بالرغم من توقيعها المعاهدة الدولية ضد الانتشار النووي. أما اليابان التي لم توقع على المعاهدة فالموضوع هو من الممنوعات. لكن وزير الخارجية الأمريكي راكس تيليرسون لم يستثن، في شهر مارس الماضي خلال زيارته المنطقة، من ضمن «كل الإحتمالات الواردة» أن يسمح لليابان و كوريا الجنوبية، في إطار «سياسة الردع» بامتلاك السلاح النووي. وهو ما يعتبر تغييرا استراتيجيا عميقا يمس مباشرة الصين و روسيا. و لا يعرف نوعية رد البلدين على هذا السيناريو.
سيناريوهات الحرب
السيناريو الثالث يتمحور حول «اندلاع حرب « يمكن أن تتلخص في قصف بعض المنشآت أو تكون شاملة. تهديد بيونغ يونغ بقصف جزيرة»غوام» الأمريكية قام بتفصيله الجنرال الكوري راك – جيوم ، قائد القوى البالستية، الذي حدد نوعية الهجوم بإطلاق أربعة صواريخ في آن واحد تحلق فوق جهات شيمان و هيروشيما وكويشي في اليابان و«تنزل في البحر على بعد 30 أو 40 كم من غوام» أي خارج الحدود الإقليمية الأمريكية. وهو بذلك يشير إلى امتثال بلاده للقانون الدولي. لكن اليابان وعد باسقاط الصواريخ إذا حلقت في فضائه. إقدام بيونغ يانغ على هذا يفتح الباب، حسب الخبراء العسكريين، أمام قصف أمريكي يشبه الذي قامت به القوات الأمريكية ضد سوريا و يستهدف محطات إطلاق الصواريخ.
أما إذا وقعت الصواريخ الكورية على جزيرة «غوام» فذلك يمكن أن يفتح الباب أمام حرب شاملة تستهدف المنشآت النووية والعسكرية و المواني والمفاعلات والقواعد البحرية و البرية. وهي حرب لا يتوقعها أحد لما لذلك من عواقب وخيمة على امكانية اندلاع حرب إقليمية أو دولية بدخول البلدان النووية المجاورة حلبة الصراع على الهيمنة في المنطقة. لكن إلى حد الساعة منطق البنتاغون لا يصب في هذا الاتجاه بل طالب وزير الدفاع الأمريكي بضبط النفس بالرغم من التحضيرات الهامة التي تقوم بها وزارته لتحسب أي مستجدات.