أكد على حرصه «تقنين» وضعية السيدة الأولى بعد أن شهد قصر الإيليزي دخول «عشيقة» الرئيس فرنسوا هولاند و تمتعها بامتيازات السيدة الأولى التي لا يضبطها القانون، قبل «تطليقها» و تعويضها بعشيقة ثانية دون تمتعها بنفس الامتيازات.
و أوضحت تغريدة كريستوف كاستانار أن ذلك لا يتطلب «تغيير الدستور و لا تخصيص امكانيات جديدة و لن تتقبل بريجيت ماكرون أي راتب» من الدولة. وهي الآن تتمتع بمكتب و فريق إداري يتكون من ثلاثة اشخاص هم مدير ديوانها بيار أوليفي موستا و رئيس ديوانها تريستان برومي و كاتبة. حسب كاستانار، تتلقى السيدة الأولى الفرنسية يوميا 200 رسالة وهي «تسهر على الحفاظ على هذه العلاقة مع الفرنسيين في كنف الكتمان».
تراجع عن الوعد الرئاسي
من الواضح أن الرئيس ماكرون قرر التراجع عن تقنين وضعية زوجته لتجنب تفاقم الحملة ضدها بعد أن سجلت عريضة جمعية «المساواة الوطنية» على شبكة الأنترنات أكثر من 250 ألف توقيع في غضون أسبوعين فقط. وهو ما أكد عدم قبول الرأي العام لهذا التمشي الذي أظهرته استطلاعات الرأي الأخيرة بتسجيل نسبة 68 % من المعارضين له. ولكن الرئيس ماكرون لم يتخل عن جوهر القضية باختياره تقديم «ميثاق شفافية» يضبط مهام وامتيازات السيدة الولى مع التنصيص على عدم تمتعها بجراية.
وكان المشروع في البداية يهدف إلى توضيح مسؤوليات بريجيت ماكرون نزعا لكل إلتباس بعد «التقلبات» التي حصلت في قصر الإيليزي في عهد فرنسوا هولاند و التي أحدثت إشكالات سياسية و دبلوماسية خاصة عندما كان هولاند يتنقل في زيارات رسمية. من ناحية أخرى، هنالك فراغ تشريعي في الموضوع منذ بداية التعامل مع»السيدة الأولى» في خمسينيات القرن الماضي. و لا يضبط الوضع أي قانون، بل أن «امتيازات» زوجة الرئيس اختلفت من رئيس إلى آخر. و انتهت الوضعية التقليدية ببرنادات شيراك. أما اليوم، ومع صعود اليمين المتطرف و دخول الفكر الكاثوليكي بقوة في الجدل السياسي فإن بعض الأطراف التي انتقدت تكليف العشيقة بمهام السيدة الأولى تتحفظ اليوم على زواج الرئيس الحالي الشاب بأستاذته. و لمحت بعض الأوساط إلى أن العلاقة بدأت بينهما عندما كان قاصرا.
وفي حقيقة الأمر هنالك ممارسات مختلفة في فرنسا عبر العصور التي شهدت ملوكها تعطي للعشيقات دورا هاما في إدارة الشأن العام. و كان رؤساء فرنسا الجمهوريون قد حصروا دور زوجاتهم في العمل الإنساني مثل الذي قامت به دانيال ميتران و برنادات شيراك. و شهد الفرنسيون «غياب» بعضهن من التفاعل مع الساحة العمومية مثل كارلا بروني ساركوزي. في بلدان العالم الديمقراطي لا يوجد قانون يضبط دور زوج أو زوجة من يقوم بمهام رئيس الدولة أو رئيس الحكومة مثلما هو الحال في ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا. و لا يعرف أحد اليوم صورة فيليب ماي زوج تيريزا ماي.
خيار الشفافية
تراجع إيمانويل ماكرون التكتيكي يفسر أيضا بتزامن قضية السيدة الأولى مع سن قانون أخلاقيات العمل السياسي الذي تقدم به وزير العدل السابق فرنسوا بايرو و الذي ينص على منع الوزراء و النواب من تشغيل أفراد عائلاتهم في فريق مستشاريهم. ولم يفهم الرأي العام كيف يمكن أن لا يطبق الرئيس ماكرون القانون الذي فرضه على الطبقة السياسية. الهدف المعلن من ماكرون كان واضحا. إذ صرح في حديث تلفزيوني في خصوص زوجته «سوف يكون لها دور، وضعية حقيقية، و إمكانية أن تحقق أشياء» وأضاف «لن أخفيها لأنها تقاسمني حياتي و لأن رأيها مهم بالنسبة لي». الوضعية الجديدة المتمثلة في تقديم الإيليزي «ميثاق شفافية» يضبط الإمكانيات التي سوف توضع على ذمتها تمكن الرقابة العمومية على الميزانية و تمنح السيدة الأولى «إطارا» شبه قانوني يبعد الشكوك و الملابسات عن القصر الرئاسي. وهو في الأخير ما يطمح له إيمانويل ماكرون كي يتمتع بخبرة و علاقات و قدرات زوجته التي ساهمت بقسط وفير في نجاحه السياسي.