إدوار فيليب لتشير إلى جغرافية التحرك السياسي الذي ينوي قصر الإيليزي القيام به لنسف نظام الأحزاب التقليدي خلال الانتخابات التشريعية القادمة المبرمجة لأيام 11 و 18 جوان 2017.
وقد سبق لماكرون أن أسس حزبه «الجمهورية إلى الأمام» على أساس تحطيم الاستقطاب الثنائي بين اليمين واليسار وعمل في حملته الانتخابية للرئاسية على ضمان أغلبية حول شخصه ،وكذلك حول ما قدمه من عرض سياسي للفرنسيين يدخل الأمل في القطع مع تقاليد المشهد القديم الذي قام على تناوب السلطة بين اليسار واليمين الجمهوري دون أن تتمكن هذه التنظيمات المتناحرة من حل المشاكل الهيكلية العالقة في فرنسا من بطالة واتساع رقعة الفقر وانحصار دور الزراعة وتقهقر الميدان الصناعي مقارنة بباقي الدول الأوروبية وفي طليعتها ألمانيا. عرض إيمانويل ماكرون السياسي يهدف إلى إعادة ترتيب البيت الفرنسي بإدخال إصلاحات جوهرية على قانون الشغل والتقاعد ودعم المؤسسات الاقتصادية لإعادة تصنيع فرنسا مع الخروج من ضوابط العمل السياسي التقليدي وذلك بالاعتماد على «السياسيين المعتدلين» من اليسار واليمين خاصة بعد أن تحكم في الحزب الإشتراكي وفي حزب الجمهوريين الشق الراديكالي على حساب التشكيلات ذات التوجه الأوروبي والليبرالي الاجتماعي المعتدل.
«ضربة معلم» في تشكيل الحكومة
جاءت التركيبة الحكومية الجديدة لتؤكد إستراتيجية إيمانويل مكرون في الانفتاح على اليمين بعد أن ضمن خلال الحملة الرئاسية انضمام عدد كبير من النواب الاشتراكيين و من شخصيات من المجتمع المدني لمشروعه. وكان التحاق فرنسوا بايرو زعيم حزب «المودام» الوسطي بحركة «إلى الأمام» الضربة الأولى في صفوف اليمين. ولو أن بايرو كان من قبل قد دعا للتصويت لفرنسوا هولاند عام 2012 أمام خصمه نيكولا سركوزي. لكن هذه المرة يلتحق بايرو بماكرون لتقاسم السلطة مقابل 95 منصب ترشح لحركته في الانتخابات التشريعية.
كما وعد بذلك الرئيس مكرون، جاءت التشكيلة الحكومية مضيقة (18وزيرا وأربعة كتاب دولة) ومتناصفة بين الرجال و النساء تشمل وجوها تنتمي إلى اليسار والوسط واليمين وأخرى قادمة من المجتمع المدني. لأول مرة تشمل الحكومة ثلاثة وزراء دولة هم جيرار كولومب ،عمدة ليون وأحد الأولين في الإنضمام إلى «إلى الأمام»، في منصب وزير الداخلية، ونيكولا هولو، الصحفي والناشط في ميدان البيئة على رأس وزارة الانتقال الإيكولوجي والتضامن وفرنسوا بايرو ، زعيم «المودام» الوسطي كوزير للعدل. وهي المناصب الأهم حسب الترتيب البروتوكولي للحكومة. وسوف تكون الهيكل الأساسي لقيادة عمل الحكومة.
نجح إدوار فيليب في إحدى مهامه، جلب شخصيات من اليمين الجمهوري، وكسر الجليد بين التنظيمين. برونو لو مار أحد نجوم اليمين الذي شارك في تصفيات الرئاسة لأحزاب اليمين والوسط يصبح وزيرا للاقتصاد مؤكدا بذلك رئيس الدولة التوجه الليبرالي للحكومة. ويرافقه زميله من حزب الجمهوريين جيرار دارمينان القريب من نيكولا سركوزي وغزافيي برتران. ويعد هذا التعيين فتحا جديدا في جدار الجمهوريين. من «المودام» تم تعيين الوجه الثاني للحزب ماريا ل دي سارناز وزيرة للشؤون الأوروبية.
المجتمع المدني كان حاضرا بعدد من الوجوه إضافة إلى نيكولا هولو. أنياس بوزان، أستاذة في الطب، عينت وزيرة للتضامن والصحة، وفرنسواز موسان، مديرة دار نشر «أكت سود» وزيرة للثقافة وموريال بيريغو في الشغل وإيليزابات بورن في النقل. تعيينات هامة من المجتمع المدني لشخصيات نسائية مرموقة عرفن بدرايتهن في مجالات اختصاصهن. وذلك بالإضافة إلى الحقوقية مارلان شيابا في خطة كاتبة دولة للمساواة بين الرجل و المرأة وسوفي كلوزال لخدمة المعوقين. من الفضاء الجامعي، نجد الأستاذ فريديريك فيدال في الشؤون
الجامعية والبحث العلمي وجون مارك بلانكير في التربية
الجديد في الأسلوب ،إمرأة على رأس «الجيوش»: سيلفي غولار، خلفا لجون إيفل لودريان الذي عين وزيرا لأوروبا و الشؤون الخارجية. سيلفي غولار هي نائبة أوروبية من الوسط ، قريبة من رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي. مهمتها سوف تكون شائكة في المساهمة في تكوين نظام الدفاع الأوروبي الجديد.
من حزب الرئيس «الجمهورية إلى الأمام» ريشار فران، الأمين العام سوف يضطلع بمهمة وزير تماسك الجهات . وأسندت مهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة و المسؤول على العلاقة بالبرلمان برتبة كاتب دولة الى كريستوف كيتانار. أما منير المحجوبي ، من أصل مغربي، فسوف يكون كاتب دولة للشؤون الرقمية.
على المستوى السياسي نجد وزيرين من حزب الراديكاليين اليساريين حليفي الحزب الإشتراكي: جاك ميزار في الفلاحة و أنيك جيراردان في أراضي ما بعد البحار. أما الرياضة فأسندت للبطلة الأولمبية في المبارزة بالسيف حاملة 5 ميداليات و 6 مرات بطلة العالم لورا بليسال من مدينة بوانت –أ- بيتر .
استراتيجيات المنافسة
الحزب الأول الذي تحرك قبل الإعلان على تشكيل الحكومة لمقاومة المد المكروني هو حزب الجمهوريين الذي قرر اثر اجتماع هيئته السياسية إجبار المرشحين للتشريعية ضمن قائمات الحزب بالتوقيع على إعلان شرف بالالتزام بمبادئ الجمهوريين ضد حزب مكرون. وهي خطوة تهدف إلى إرغام النواب و الشخصيات السياسية التي ترغب في الانضمام إلى الحكومة الجديدة على الاختيار الواضح إما البقاء في الحزب أو مغادرته. لكن هذه الخطوة ذات حدين ،فإن تحمي الحزب من نزيف الالتحاق ب «اليد الممدودة» من قبل الرئيس مكرون فإنها تؤسس للانشقاق الحقيقي صلب الحزب وتفتح الباب أمام الجري وراء التيار. التحاق ثلاث شخصيات مرموقة بالحكومة الجديدة سوف يدخل بلبلة في صفوف اليمين.