مرشحة الجبهة الوطنية ركزت، منذ انطلاق الحملة الانتخابية، على التنديد بـ«الإسلام الراديكالي» و«الإرهاب» و«الدكتاتورية الإسلامية» وهو ما خلف تساؤلا حول أهمية تصويت المسلمين في الإنتخابات الفرنسية والخيارات التي يواجهونها.
في انتخابات 2012 سجلت مؤسسة «إيفوب» لسبر الآراء انحيازا واضحا لفائدة فرنسوا هولاند حيث أكد جيروم فوركي رئيس المؤسسة أن 86 % من أصوات المسلمين ذهبت إلى الرئيس الحالي في الدورة الثانية للانتخابات. أما هذه السنة فتشتت المشهد في اليسار الفرنسي واحتلت مسألة «الإرهاب « حيزا كبيرا في خطابات مرشحي اليمين وأصبح صوت المسلمين عملة ثمينة في السباق نحو قصر الإيليزي.
لكن الهجمات الإرهابية المسجلة في 2015 و 2016 ،من قبل إرهابيين ينتمون لتنظيم داعش، ساهمت في احتلال «المسألة الإسلامية» مكانا واضحا في الخطابات السياسية لمرشحي اليمين و اليسار. زد على ذلك نجاح الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان في تصدر الأحزاب الفرنسية بعد أن فازت بتصويت 7 ملايين ناخب في الإنتخابات الجهوية لعام 2015 الذي جعل من الحزب اليميني المتطرف أول حزب فرنسي من حيث عدد الناخبين. منذ ذلك الوقت تصدرت قضية الإرهاب أجندة الجبهة الوطنية ثم تدريجيا أصبحت محل نقاش الخاص والعام في فرنسا.
الإسلام محل تساؤل
لفهم التوجهات التي تشق الفرنسيين من أصل عربي و مسلم ، لا بد من الرجوع للخطابات السياسية المختلفة في الحملة الإنتخابية. في العموم شكلت المسائل المتعلقة بالإسلام أهم محاور الخطاب السياسي لمارين لوبان و فرنسوا فيون بسبب أن مسائل الأمن و التشغيل، التي يعتبرها الفرنسيون أهم القضايا المطروحة على الرئيس الجديد، متعلقة مباشرة بالإرهاب و بالهجرة. لذلك تقدم المرشحون بجملة من الإجراءات الموجهة ضد الإرهاب ، ثم تحولت إلى أخرى ضد الإسلام السياسي الذي يعتبره الساسة الفرنسيون حاضنة و بوابة للإرهاب و الراديكالية.
وشارك المرشحون من اليمين و اليسار في بلورة «تصور جماعي» يهدف إلى مقاومة الإرهاب أمنيا ومحاصرة التطرف الديني عبر غلق الجوامع السلفية و مقاومة الخطاب الداعي للجهاد وتجفيف منابع تمويل الجمعيات الإسلامية من قبل الدول والمنظمات الإسلامية وحل الجمعيات الإسلامية الرافضة للنظام الجمهوري. يبقى الاختلاف واضحا بين من يبقي على القانون الحالي المتعلق بمنع الحجاب في المدارس وبعض المرشحين من اليمين الذين ينادون بمنعه في الجامعة وبسن قانون ضد لباس البرقع والبوركيني وطرد الأشخاص الأجانب المشتبه في انتمائهم لحركات إرهابية.
وبالرغم من ذلك جل المسلمين في فرنسا (90 %) لا ينتمون لحركات الإسلام السياسي من السلفية و الوهابية والإخوان المسلمين . بل إن هذه الحركات تشكل ، في آن واحد، أقلية واضحة لكنها تسيطر على جل الجمعيات «الإسلامية» الممولة من قبل دول الخليج. بل إن حركة الإخوان المسلمين الممثلة في إتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ذهبت، خلال مؤتمرها هذا الشهر في باريس، إلى تغيير اسمها لتصبح «مسلمو فرنسا» في سعيها أن تكون الصوت الوحيد الذي يمثل المسلمين.
انقسام الجالية الإسلامية
واكب تشتت المشهد السياسي تشتت التوجهات في الجالية العربية و الإسلامية في فرنسا. ففي حين أعلنت الجمعيات الفرنسية للهجرة ، التي لها تموقع يساري، مساندتها لترشيح جون لوك ميلونشن، كانت حركات الإسلام السياسي مترددة في التصريح بموقفها. خلال مؤتمر «مسلمو فرنسا» طالب عمار لصفر رئيس التنظيم الإخواني المشاركين «بالمشاركة في الانتخابات» دون إعطاء توجهات انتخابية بل «نصائح». وهو ما فسره البعض بحرص التنظيم على مساومة دعمه لأحد المرشحين بسبب تصريح بعضهم نيته حل التنظيم المتهم بدعم الإسلام الراديكالي. لكن في الكواليس، عمل الناشطون الإسلاميون على شيطنة مارين لوبان التي شهرت عداءها للإسلام و المسلمين تحت غطاء مقاومة الإرهاب. و شكلت الأصوات التي ذكرت مساندة لفرنسوا فيون أقلية بالنسبة لتلك التي اختارت التصويت لصالح بونوا هامون مرشح الحزب الإشتراكي وإيمنوال مكرون اللذين رفضا «الخلط» بين الإرهابيين والمسلمين.
واختلفت المواقف أيضا ما بين المنظمات الإسلامية في توجيهاتها للناخبين. فيحيا قواسمي رئيس الحزب المناهض للصهيونية اعتبر أنه لا يجوز مناصرة المرشحين الذين حضروا مأدبة العشاء السنوية التي يقيمها مجلس منظمات اليهود الفرنسي. في المقابل دعا كمال بن شيخ، رئيس منظمة «أبناء فرنسا»، المشاركين في الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا عدم التصويت لصالح إيمانويل مكرون بسبب اقتراحه السماح بالإنجاب بمساعدة طبية. ويبقى التذبذب سيد الموقف في صلب الجالية العربية و الإسلامية التي تأرجحت بين مساندة فرنسوا هولاند عام 2012 ثم الإلتحاق بحركة «المظاهرات للجميع» المساندة للحركة الكاثوليكية اليمينية المناهضه لقانون «الزواج للجميع». أما عموم المواطنين المنتمين للإسلام الشعبي فهم كباقي الفرنسيين منقسمون بين مساندة من يقدم حلولا عملية لإصلاحات جوهرية للنسيج الاجتماعي نحو تحسين الطاقة الشرائية و التشغيل و من يختار الحلول اللبرالية للدولة التي تركز عليها نظام الحكم منذ الحرب العالمية الثانية.