الاتحاد الأوروبي في مفترق الطرق: نحو تشكيل اتحاد داخل الاتحاد من قبل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا

بدأت ملامح مستقبل الإتحاد الأوروبي تتوضح، بعد قرار خروج بريطانيا العظمى من الإتحاد، بانعقاد قمة فرساي المصغرة التي دعا لها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والتي حضرها كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني والوزير الأول الإسباني ماريانو راخوي.

قرر الزعماء الأوروبيون المجتمعون العمل على ارساء نظام أوروبي جديد لمجموعات مختلفة بمستويات اندماج غير متساوية. وجاء هذا اللقاء غير الرسمي قبل انعقاد المجلس الأوروبي يوم 9 مارس والذي وافق على إعادة انتخاب دونالد تاسك كرئيس للإتحاد الأوروبي لولاية ثانية.

موضوع قمة فرساي تمحور حول تحضير الخيار الممكن لتقوية الإتحاد الأوروبي على خلفية قمة براتسلافا (16 سبتمبر 2016) التي وضعت خارطة طريق لتحديد مستقبل الإتحاد. بعد أن قدم رئيس المفوضية جون كلود يونكر «الكتاب الأبيض حول مستقبل الإتحاد بعد البريكسيت» الذي وضع فيه 5 سيناريوهات مختلفة تتمحور حول خيارات الإبقاء على الوضعية الحالية أو إرساء مشروع فيدرالي أو الإقتصار على السوق المشتركة فقط أو اختيار تطوير الاندماج في الإتحاد كل حسب قدرته.

مجموعات أوروبية مختلفة
اجتماع البلدان التي لها أكبر عدد من السكان و التي هي تتمتع باقتصادات متطورة يضع باقي الدول الأوروبية أمام خيار لا رجعة فيه. فإن موقف ألمانيا و فرنسا وإيطاليا واسبانيا الداعي إلى تكوين مجموعات أوروبية في صلب الإتحاد لا تخضع لنفس النسق في تطوير اندماجها و تقوية اقتصادها يأخذ بعين الاعتبار التفاوت في قوة الاقتصاد والنمو وقدرة هذه البلدان على تطوير موقف أوروبي صلب في الأوضاع الإستراتيجية المتقلبة. موقف الرباعي يبدو سياسيا في المرتبة الأولى. فسبقت أنجيلا ميركل أن صرحت في قمة مالطة يوم 3 فيفري أنه» سوف يكون هنالك اتحاد أوروبي متعدد النسق لا تشارك فيه كل البلدان في كل مراحل الإندماج». وهو إقرار بالخلل الحاصل في مستويات الدول بين التي تشارك في منطقة اليورو و التي لا تشارك في منطقة شنغان والدول الشرقية حديثة الانضمام للإتحاد.
لكن الداعي لإعادة صياغة الإتحاد يكمن في منح كل الدول الأعضاء حق الفيتو الذي فرضته بريطانيا من قبل. مع خروج هذه الأخيرة من الإتحاد تجد الدول الكبرى نفسها رهينة لقرار الدول الصغيرة في موضوع اتخاذ قرارات إستراتيجية هامة. لهذا السبب قبلت الدول الأربع المضي في اختيار سيناريو التعددية في صلب الإتحاد بدون أن يقصي ذلك الدول التي تريد الانضمام للرباعي إذا وصلت إلى مستوى الانضمام المطلوب.

بالنسبة للرئيس الفرنسي هذه العملية تكمن في المتغيرات الحالية على الساحة الدولية. «عدم فهم الإتحاد الأوروبي» من قبل دونالد ترامب «يحتم على أوروبا أن تظهر تماسكها السياسي و حجمها الإقتصادي واستقلاليتها الإستراتيجية». و يبدو أن ألمانيا لم يكن لها الخيار في البقاء لوحدها بعد أن اجتمعت دول جنوب أوروبا بقيادة ماتيو رنزي و فرنسوا هولاند في عديد المناسبات مطالبة بتغيير السياسات و الهياكل الأوروبية. انضمام ألمانيا للرباعي يعطيها مجالا جديدا لفرض سياسات جديدة قوية في مسائل التصنيع و الطاقة و الدفاع المشترك. وهو ما يقوي الإتحاد الأوروبي أمام تهديدات روسيا والصين و نظام دونالد ترامب.

الكتاب الأبيض
تطوير الإتحاد الأوروبي لن يكون عملية سهلة. لا تزال الصعوبات تخيم على مساره. وتتمثل في التراجعات عن القيم الأوروبية المشتركة من قبل بعض الدول مثل بولونيا و المجر و عدم قبول البعض الآخر الانضمام إلى اليورو و عدم قبول مجموعة أخرى بفضاء شنغان. وهي عقبات حقيقية أمام انسجام السوق على مستوى القوانين المتعلقة بالمسائل المالية والبنكية و الاجتماعية و الاقتصادية. لهذا الغرض قدم رئيس المفوضية كتابا أبيضا حول مستقبل الإتحاد بعد البريكسيت الذي سوف يعتمد في قمة روما في 25 مارس التي تحتفل بستينية الإتحاد لاتخاذ قرار في إعادة صياغة القوانين المؤسسة له.

إختيار طريق جديد للإتحاد يشمل الجميع و لا يقصي أحدا هو الرهان الأساسي أمام دونالد تاسك رئيس الإتحاد الذي يناط بعهدته إدارة المرحلة. و قد أرسل تاسك رسالة في الغرض للزعماء الأوروبيين عرض فيها المخاطر المحدقة بأوروبا والتي تحتم على الجميع اتخاذ اجراءات جديدة لتوحيد الصفوف. يعتبر دونالد تاسك أن أمام أوروبا ثلاثة مخاطر أولها المتغيرات الإستراتيجية في العالم المتمثلة في صعود الصين و خطر الهيمنة الروسية و تقلبات السياسة الأمريكية مع دونالد ترامب. ثاني خطر يكمن في صعود اليمين المتطرف ، على الصعيد الداخلي، وتفشي مقولاته المهددة لوحدة الإتحاد والداعية للإنغلاق على النفس و لإقصاء الأجانب. أما الخطر الثالث فيكمن في قبول النخب الأوروبية بمقولات اليمين المتطرف و تخلي البعض عن القيم الأوروبية الأساسية التي بني عليها الإتحاد. هذه الأسباب تخفي المخاوف المتعلقة بالعلاقات الأطلسية التي تجمع الولايات المتحدة ببولونيا و المجر والتي أصبحت تهدد وحدة الصف.

و أطلق دونالد تاسك ناقوس الخطر قائلا «انحلال الإتحاد الأوروبي لا يرجع السيادة للدول بل يضعها تحت هيمنة الولايات المتحدة و روسيا و الصين. بوحدتنا يمكن أن نحافظ على استقلالنا». عبارات كانت تقال خارج إطار الإعلام الرسمي أصبحت اليوم تقال ضمن الخطابات التي توجه للشعوب. و كأن القادة الأوروبيين أرادوا مخاطبة شعوبهم لتوضيح الخطوات الجريئة اللازم الإقدام عليها لضمان مستقبل موحد. لكن هنالك شكوك في نجاح هذه الخطوة بسبب وضعية الرباعي الداعي إلى تغيير قوانين الإتحاد. فالرئيس الفرنسي في نهاية ولايته و باولو جنتيلوني ليس في وضعية سهلة . أما ماريانو راخوي فهو لا يملك أغلبية في البرلمان. من ناحيتها أنجيلا ميركل قادمة على انتخابات تشريعية جديدة مهددة بسياستها لفائدة المهاجرين التي رفعت في عدد الغاضبين. ربما مع حلول الصيف تجد أوروبا نفسها تواجه تصورات جديدة من قبل الرؤساء الجدد في دول الرباعي.مما يعيد خلط الأوراق الأوروبية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115