سبب ذلك أن الرجل الذي يحمل آمال عديد الفرنسيين، بعد نجاح باهر في الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط، كان معروفا باستقامته، وكان قد أعطى لحملته الانتخابية صبغة أخلاقية تركز على الاستقامة ونظافة اليد والبعد عن «القضايا» التي اتهم بها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
وهو ما مكنه من التقدم على هذا الأخير في التمهيدية. السبب الثاني هو سمعة الجريدة الباريسية التي اشتهرت بدقة أخبارها وبقربها من الحقيقة في جل القضايا التي تفضحها بعد عمل استقصائي طويل.
وهو ما قد يؤثر في مستقبل الانتخابات الرئاسية لماي 2017. في هذا الإطار فتح المكتب المركزي لمقاومة الفساد والمخالفات المالية والجبائية بمدينة «نانتار» تحقيقا في الموضوع تم في إطاره استنطاق فرنسوا فيون وزوجته وكذلك معوضه «مارك جولو» في انتظار أبناء المرشح الجمهوري.
إتهمت الجريدة «فرنسوا فيون» بمنحه زوجته «بينيلوب»، البريطانية الأصل، منصب مساعدة برلمانية له عندما كان عضوا بالبرلمان من 1988 إلى 1990. ثم تم منحها نفس المنصب من قبل «مارك جولو» الذي عوض «فيون» في منصبه البرلماني من 2002 إلى 2007. ثم أعاد «فرنسوا فيون» الكرة من 2012 إلى 2013 قبل أن تفرض الهيئة العليا لشفافية الحياة العامة على النواب كشف أسماء مساعديهم و منحهم. ولا يمنع القانون الفرنسي أن يشغل نائب في البرلمان أحد أقاربه كمساعد له. بل أن أكثر من 90 نائبا تمتعوا بهذا الإجراء وهم حاليا يشغلون أعضاء من عائلاتهم. المشكلة تكمن في معرفة إن كانت «بينيلوب فيون» تتمتع بـ«مهنة وهمية» يعاقب عليها القانون، خاصة أن المبالغ مرتفعة جدا إذ كتبت الجريدة أنها تصل إلى قرابة 900ألف يورو.
دور السلطة الرابعة
سرعان ما انطلق السباق بين الصحف الفرنسية حالما فتح الباب في قضية ما أصبح يعرف بـ«فيون غايت» على غرار «الواتر غايت» الأمريكي الشهير الذي أطاح بالرئيس الأسبق «ريتشارد نيكسون» في سبعينات القرن الماضي. فأفادت جريدة «لوباريزيان» اليومية أن السيدة «بينيلوب» لم يكن لها حساب الكتروني في البرلمان و لا شارة دخول. و أضافت صحيفة «لوبس» أن عقد تشغيل «بينيلوب فيون» يشير إلى أن مكان عملها هو مقر حزب الجمهوريين في مدينة «مان». لكن لا أحد، حسب الصحيفة، يتذكر أنها كانت تشتغل هناك. وجاء دور جريدة «ميديابارت» التي اشتهرت هي الأخرى بنشرها لفضائح الحكام مثل تلك التي أطاحت بوزير الميزانية الأسبق «جيروم كاهوزاك» عام 2012.كشفت الجريدة أن «بينيلوب فيون» تقاضت 100 ألف يورو من مجلة «لا روفو دي دو موند» لصاحبها مارك لادري دو لا شاريار» ، أحد اصدقاء «فيون» مقابل بعض المقالات و ذلك بدون علم المدير التنفيذي للمجلة الذي أنكر أن تكون إدارته قد دفعت مثل هذا المبلغ معتبرا أن المقابل لكتابة مقال لا يتجاوز 300 يورو للمقال الواحد.
من أين وردت المعلومات للصحف الفرنسية؟ هل هي نابعة من «المؤسسات والحكومة» التي هي بيد اليسار، كما قال «فرنسوا فيون» في دفاعه عن نفسه ومحاولة تسييس القضية حتى يظهر في موقف الضحية، أم هي متأتية من داخل حزب الجمهوريين؟ كما لوح به أحد القضاة المتقاعدين من القطب المالي القضائي الذي أشار أنه ،في مثل هذه الحالات، يكون مصدر الأخبار من المقربين أو من الخصوم في الحزب.
كذب لإخفاء الحقيقة؟
وقع القضية على الحملة الإنتخابية أجبر «فرنسوا فيون على الدفاع عن نفسه عن طريق الإعلام. ففي لقاء مع قناة «تي أف 1» أنكر المرشح الجمهوري أن يكون هنالك «مهنة وهمية» و أكد أن زوجته كانت فعلا مساعدة له و أفاد أنه سبق و شغل، عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ بين 2005 و 2007، إثنين من أطفاله «وكانا محاميين». و اتضح أن ابنته «ماري» و ابنه «شارل» كانا في الحقيقة طالبين في الحقوق و لم يتخرجا بعد. فهل «كذب» المرشح الجمهوري لحماية نفسه؟ وهل كانت الوظيفة حقيقية كما أكده «فيون»؟ قناة «فرانس2» عرضت في برنامج «انفويي سبيسيال» يوم 2 فيفري مقاطع فيديو من مقابلة سجلت عام 2007 لجريدة بريطانية قالت فيها «بينيلوب فيون» : «لم أكن قط مساعدة له»، أي لزوجها. فأين هي الحقيقة؟ هذا ما تعمل عليه أجهزة القضاء الفرنسي.
واتسعت رقعة البحوث الصحفية – و كذا القضائية؟ – إلى موارد «فرنسوا فيون» المتأتية من مكتب الإستشارات «2 أف» الذي جني منه قرابة 756 ألف يورو بين 2002 و2015، حسب جريدة «لوكانار أنشيني». ودخلت جريدة «لوموند» الحلبة لتوضح أن «فرنسوا فيون» كان يقدم «استشارات في موضوع العولمة» لمكتب «روني ريكول» مقابل 60 ألف يورو سنويا وأنه لم يتخل عن ذلك العقد عندما كان رئيسا للوزراء.
فضيحة حزب
تعتقد جريدة «ميديابارت» انطلاقا من أبحاثها الأولية أن «فرنسوا فيون» مشارك في عملية واسعة للسطو على جزء من الأموال المخصصة للبرلمانيين لفائدة حزب الجمهوريين. وقد ضبط القضاء الفرنسي، ما بين 2003 و 2014، عمليات تحويل وجهة ما تبقى من أموال عمومية غير مستهلكة من قبل البرلمانيين إلى خزينة الحزب التي بدورها تمنح شيكات للبرلمانيين مقابل تعاونهم. وقد وصلت جملة التحويلات 10 ملايين يورو على امتداد 12 سنة. وقد أحال القضاة على دائرة الاتهام في هذه القضية عددا من أعضاء مجلس الشيوخ ونواب سابقين. ولم يشر القضاء في هذه القضية إلى اسم «فرنسوا فيون» إلى حد الساعة.
في هذا الجو المشحون بالتهم والنقاشات والصراعات الداخلية تعالت بعض الأصوات في حزب الجمهوريين لإطفاء الحريق معبرة عن رغبتها في اختيار مرشح بديل. و انتقلت الأنظار إلى الوزير الأول الأسبق «ألان جوبي»، وهو الثاني في قائمة الانتخابات التمهيدية، الذي رفض ذلك. ولا تزال النقاشات في الكواليس سيدة الموقف لما للفضيحة من تأثير على مصداقية المرشح وحظوظه في الفوز.
و قد أشار آخر إحصاء للرأي أن «فرنسوا فيون» تقهقر أمام «مارين لوبان» التي تتصدر الاستطلاعات منذ 6 أشهر و أنه أصبح في المرتبة الثالثة بعد «إمانويل ماكرون» المرشح المنسلخ عن الحزب الاشتراكي. وفي هذه الفرضية يقصى اليمين الجمهوري من السباق في الدورة الأولى وهو الذي كان مرشحا منذ أسبوعين للفوز بقصر الإيليزي.
جل الملاحظين داخل وخارج حزب الجمهوريين ينتظرون قرار القضاة المنتظر الأسبوع القادم بعد غلق التحقيق. لكن إدارة الحزب وشخصياتها الأساسية تعمل على الوصول إلى توافق عريض حول «حل بديل» لما للفضيحة من تداعيات سلبية.