خاص: رئاسة الجمهورية تعيد النظر في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية

تقدم رئيس الجمهورية يوم 14 جويلية 2015 بمبادرة تشريعية تحت عنوان «مشروع قانون أساسي يتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي» وقد أثارت هذه المبادرة حينها جدلا كبيرا واعتبرتها أطراف عديدة التفافا على مسار العدالة الانتقالية ونوعا

من التصالح مع الفساد المالي والإداري السائد إبّان المنظومة القديمة.

وقد عيب على هذا المشروع حينها سعيه لإقامة نوع من العدالة الانتقالية الموازية دون الشفافية والاستقلالية المطلوبة بحكم تكوين لجنة مصالحة برئاسة الحكومة تطغى عليها الصبغة الإدارية فمن أصل 7 أعضاء نجد أن الحكومة تعيّن خمسة منهم... كما أن لجنة الصلح هذه علاوة على عدم استقلاليتها تشتغل خارج أطر الشفافية وتقريرها لا ينشر وهي أولا وقبل كل شيء لا تحقق فلسفة العدالة الانتقالية من مصارحة واعتذار فمحاسبة ثم مصالحة... ونذكر جيدا كيف أن هيئة الحقيقة والكرامة قد لجأت حينها إلى لجنة البندقية والتي وإن أقرت مبدأ جواز قيام هيئة تعنى بالعدالة الانتقالية سوى هيئة الحقيقة والكرامة إلا أنها شددت على أن فلسفة العدالة الانتقالية والتي أشرنا إلى بعض عناصرها هي التي ينبغي أن تكون نبراس كل هيئة تعنى بصفة كلية أو جزئية بمسار العدالة الانتقالية...
وإضافة إلى كل هذا تم نقد هذه المبادرة التشريعية لضعف الضمانات التي توفرها للدولة فيما يخص جرائم الصرف وقد أثبت حينها القاضي أحمد صواب، أحد أهم المختصين في الموضوع، بأن الضمانات التي جاءت في القوانين السارية قبل الثورة هي أهم بكثير من تلك التي جاءت في المبادرة التشريعية الرئاسية...

ورغم كل هذه الانتقادات ووقوف أطراف سياسية واجتماعية وحقوقية عدة ضد هذه المبادرة إلا أن رئاسة الجمهورية، في البداية، قد تشبثت بمبادرتها وقالت إن المشروع أصبح الآن على ذمة مجلس نواب الشعب وأنه هو الوحيد الذي يملك حق التعديل والتصويت...
وكان يُخشى أن تلقي هذه المسألة الخلافية بظلالها على المشاورات الحالية بشأن تكوين حكومة وحدة وطنية تدعمها المنظمات الاجتماعية وطيف واسع من الأحزاب السياسية..

ولكن عمدت رئاسة الجمهورية منذ أسابيع دون ضجيج يذكر إلى مراجعة هامة لهذه المبادرة التشريعية واستشارت في ذلك عدة خبراء في القانون من توجهات شتى كما أنها أرسلت إلى رؤساء الكتل النيابية بمشروعها الأولي قصد النقاش معهم قبل إعادة تقديمه لمجلس نواب الشعب بصفة نهائية...

والنتيجة الأولية لهذا العمل هي الانتقال إلى نص أكثر دقة ووضوحا ولكن بالخصوص أكثر تلاؤما مع روح العدالة الانتقالية... فلجنة الصلح التي كانت تنظر في ملفات الإداريين ورجال الأعمال المتعلقة بهم أفعال الفساد المالي أو الاعتداء على المال العام والتي كانت إدارية بالأساس في تركيبتها أضحت في المشروع الجديد لجنة مستقلة تتكون من ثلاثة قضاة (قاضي عدلي وقاضي إداري وقاضي مالي) ومحام وخبير محاسب يتم اختيارهم من قبل هياكلهم ينضاف إليهم ممثل عن الجمعيات المهتمة بقضايا الفساد والحوكمة الرشيدة يختاره رئيس مجلس نواب الشعب ويكون رئيس هذه اللجنة هو رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد... فهذه التركيبة تضمن الاستقلالية التي كانت غائبة في النسخة الأولى كما أن تقرير هذه اللجنة وبعد أن يقدم إلى الرؤساء الثلاثة ينشر بالرائد الرسمي وفي هذا النشر العلني ضمان للشفافية... يبقى بالطبع التدقيق في آليات اختيار أعضاء هذه اللجنة حتى لا يكون الأمر مرتبط فقط بقرار فوقى فردي للمسؤول الأول عن كل سلك...

ولقد وردت هذا المشروع الأولي ضمانات إضافية للدولة فيما يخص جرائم الصرف من صنف أن الأموال المودعة لا يمكن بداية سحبها إلا بعد مرور سنة كاملة ولا تتجاوز المبالغ المسحوبة سنويا 20% من المبلغ الأصلي...
وتبقى رغم هذه الإيجابيات الكبيرة بعض الثغرات في هذا المشروع الأولي كقرار العفو على الأموال بالنسبة لرجال الأعمال وكذلك عدم التمييز بين الموظفين الذين استفادوا شخصيا من الفساد المالي عينا أو نقدا أو ترقية مهنية مخالفة للتراتيب الإدارية وأولئك الذين لم يستفيدوا منه.

أما الإشكال الأساسي فسيكون بين لجنة الصلح هذه وهيئة الحقيقة والكرامة.. هل ستتعاونان مع بعضهما البعض أم ستتنافسان على إنجاز مسار العدالة الانتقالية؟وكذلك عن مآل عمل هذه اللجنة ووثائقها فهل ستودعها بعد عملها الذي لن يتجاوز على أقصى تقدير ثمانية أشهر إلى هيئة الحقيقة والكرامة أم لهيكل آخر؟

اليوم يجتمع رؤساء الكتل النيابية مع ممثلين للرئاسة لمناقشة المبادرة الرئاسية في شكلها الجديد وسوف نرى بعد ذلك ما هي الصيغة النهائية التي ستقدم إلى مجلس نواب الشعب.

«المغرب السياسي»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115