في اي خانة تعتمد في ادارة الشأن العام على الكثير من الاذرع ومنها ذراع «الاتصال» الذي غاب عنها منذ ان تقلدت مهامها في السنة الفارطة، رغم تتالي الازمات التي لم تجد غير اشباح تفسرها للتونسيين.
منذ سنة وبضعة ايام تقلدت حكومة نجلاء بودن مهامها بشكل رسمي بعد ان استكملت الاجراءات القانونية. من اداء اليمين الدستورية ولتصريح رئيستها ببيانها الأول الذي يبدو انه كان الاخير. لم يستمع التونسيون الى حكومتهم الا في مرات معدودات لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة.
ومع تكرر كل ازمة طالت البلاد في السنة المنقضية من عمر حكومة بودن، تكرر سلوك سياسي عنوانه الابرز «الصمت» الذي يكشف عن ضعف قاتل لدى حكومة الرئيس التي تتوارى عن الانظار لتترك الفضاء العام والتاثير فيه او لعب دور سياسي حكرا على رئاسة الجمهورية .
هذه السياسة قد تجد لها الحكومة تبريرا بأنها «حكومة تكنوقراط» وليست حكومة سياسية حتى يكون لديها خطاب سياسي توجهه للتونسيين ، وان هذا يحدد سياستها الاتصالية القائمة على بلاغات تصدر متأخرة ولا تحمل غير معلومات عامة لا تتضمن اية افادة للتونسيين. او تصريحات محدودة لاعضاء منها اغلبها تصب في خانة الدعاية.
هذا السلوك الاتصالي المستند الى ان الحكومة لا تمارس السياسية لا يمكنه ان يصمد اذا تعلق الامر بالملفات التقنية والفنية، كاختلال عملية تزويد السوق التونسية بمواد اساسية الغذائية او الطاقية. التي تتعاطى معها الحكومة بذات المقاربة القائمة على انها «متلق» للخطاب لا منتج له، وهذا ما جسدته تسجيلات الفيديو الخاصة برئاسة الجمهورية والتي بات لها نمط خاص يتمثل في القاء الرئيس لخطبة على مسامع احد اعضاء الحكومة، لتقريعه عن تقصير او تقديم توجيهات عامة تتعلق بمشروعه السياسي لا بتسيير البلاد و في افضل الحالات توجيه شكر للاجهزة الامنية والعسكرية على دورها.
هذا النمط المعتمد من رئاسة الجمهورية جعل من الحكومة مستهلكة لخطاب لا تنتجه إلا في حالات نادرة كتلك التي تحدثت فيها على لسان المتحدث باسمها او على لسان وزير او اطار عام وتتعلق في اغلبها بملفات حارقة تثير مخاوف التونسيين، وأخرها الاضطراب الذي اصاب سوق المحروقات بسبب
نقص التزويد بمادة البنزين.
اليوم وفي ظل هذه الازمة التي كانت مناسبة لحدوث امر نادر وهو «تكلم الحكومة». أطل الناطق باسمها ووزير التشغيل فيها نصر الدين النصيبي وقدم تصريحا صحفيا شدد فيه على ان ازمة الوقود مردها لهفة المواطنين وارتفاع نسق تزودهم بالوقود الذي شدد على انه سبب «الاضطرابات» الحاصلة منذ بداية الاسبوع.
تفسير نقص التزويد بالوقود وغيابه عن اغلب محطات الخدمات على انه نتيجة لهفة المواطنين، يشدد في خصوصه الناطق باسم الحكومة على انه «ليس تنصلا من المسؤولية» بل تحديدا للأسباب وشرحها ليكون المواطنون على علم بالمشكلة مع الاعراب عن امله ان يؤدي هذا الى «وعي» لدى التونسيين بضرورة التزود بكميات معقولة من الوقود.
هنا يتضح ان الحكومة تعتمد على سياسة اتصالية تقوم بالأساس على الصمت واذا كسر فمن اجل التبرير والبحث عن تحميل غيرها المسؤولية، وهو ما يكشف عن ضعف فادح سيكلفها غاليا في الاسابيع القادمة. حينما تشرع في تنزيل خطتها الاصلاحية ومنها رفع الدعم. يومها ستجد نفسها عاجزة عن تسويق سياستها لحشد الدعم لها او لامتصاص غضب الشارع الذي يجد نفسه المتهم «باللهفة».