لتتوالى المناورات من الرئاسة او المنظمات الوطنية الباحثة عن ضبط ايقاع الحوار قبل انطلاقه في ظل مناخ عام متأزم ومنذر بمخاطر جمة.
يوم امس اختار الرئيس قيس سعيد ان يعيد سرد شروطه المتعلقة بالحوار الوطني وان بشكل غير صريح ومباشر، ففي لقاآته التي جمعته برئيسة الحكومة نجلاء بودن او بأعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الجديدة او بوزير الشباب والرياضة اعاد الرئيس التشديد على انه متمسك بشروطه المتعلقة بالحوار الوطني، والشروط هنا لم تعد تتعلق بهوية من سيجلس على الطاولة بل بالخطوط العريضة لمخرجات الحوار.
فالرئيس وفي لقاآته الثلاثة تحدث عن الارادة الشعبية وعن «الموعد مع التاريخ» وعن الاستفتاء الذي سيؤسس لجمهورية تونسية جديدة، وهنا يترك الرئيس المجال لتفكيك كلماته وفهم ما المراد منها. خاصة وان الرئيس جعل من كلمته المسجلة رسائل سياسية وردودا على انتقادات توجه اليه والى سياسته.
فبالنسبة للرئيس فانه وباشرافه على اداء اليمين لاعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اطلق مسار الاستعداد للاستفتاء المزمع اجراؤه في 25 جويلية وهذا يعنى انه اتجه لتسيير النسق ليرد بشكل ضمني على المنظمات الوطنية التي شددت على ان مشاركتها في الحوار الوطني مقترن بتخلى الرئيس عن شروطه وان يكون الحوار سيد نفسه وجديا.
فاتحاد الشغل والرابطة الوطنية لحقوق الانسان وعمادة المحامين، اعلنوا ان مشاركتهم في الحوار الذي يدعوا اليه الرئيس مقترنة بان يكون الحوار شاملا وجديا، اي ان يكون دون خطوط حمراء او مواضيع محددة، فالرئيس اقترح عليهم ان يكون الحوار مقتصرا على الاصلاحات الدستورية وان تشمل النظام السياسي والقانون الانتخابي بالاساس.
محاولة حصر الحوار في الاصلاحات السياسية وتجزئة مساراته لتكون منفصلة، هي شرط الرئيس الذي اعاد ذكره امس بشكل ضمني ومبطن، بل انه ذهب الى تسريع خطواته بان اطلق مسار الاستعداد للاستفتاء، الذي سيتعلق بالاصلاحات الدستورية.
اصلاحات يتمسك الرئيس بان تشمل نظام الحكم ليكون رئاسيا وان ينقح قانون الانتخابات لتكون الانتخابات على الافراد لا القائمات وهما جوهر العملية الاصلاحية التي يقودها الرئيس بهدف ان يعيد تشكيل المنظومة، الذي يشدد على انها مطلب شعبي.
كلمات الرئيس في اللقاءات الثلاثة التي جمعته امس كانت اعلانا منه بان المسار الذي اطلقه سيستمر وفق تصوره وخياراته التي تتعارض مع مطالب المنظمات الوطنية الاربع، وهو ما يزيد من تعميق الخلافات بينه وبين المنظمات التي اعلنت في مناسبات عدة انها ترفض المشاركة في حوار شكلي.
رفض للمشاركة قد يجد في تمسك الرئيس بشروطه ما يغذيه فتقع مقاطعة الحوار من قبل المنظمات الأربع التي دونها سيفشل الحوار الوطني في تحقيق هدفه. وهو توفير دعم سياسي لمسار الرئيس وخياراته للخروج من المرحلة الاستثنائية. وبغياب هذا الدعم قد تتأثر مساعى حكومة نجلاء بودن في تعبئة موارد مالية لميزانية 2022.