وكشف عنها في سلسلة اللقاءات التي عقدها انطلاقا بلقائه بأعضاء من حكومته وصولا الى لقاءاته بممثلي المنظمات الوطنية.
ارتفع نسق تحركات رئيس الجمهورية خلال الساعات الـ48 الفارطة، في محاولة لاحتواء اية تداعيات محتملة لخياره القاضي بحل البرلمان استنادا للفصل 72 من الدستور التونسي دون الذهاب الى تحديد موعد انتخابات مبكرة وفق مقتضات الدستور والتي تضع اجالا مضبوطة بين 45 يوما و90 يوما.
تحركات ربط بينها خيط جامع وهو تعزيز الغطاء السياسي حول الرئيس وخلفه بهدف تحصين مساره السياسي والحيلولة دون التداعيات السلبية لقرار الحل على باقي الرهانات خاصة المالية الاقتصادية مساعى البلاد لتعبئة موارد مالية لسد العجز في الميزانية لن تتحقق لها دون دعم دولي.
الدعم الدولى هو ما يبحث عنه الرئيس ويدرك انه مقترن بشرط اعلن عنه منذ بداية مرحلة 25 جويلية الفارطة ودخول البلاد الى الاستثناء، ومع حل البرلمان بات الرئيس يدرك انه في حاجة الى «غطاء» سياسي، وهذا ما سعى اليه خلال لقاءاته امس الجمعة بعدد من قادة المنظمات الوطنية، على رأسها اتحاد الشغل ومنظمة الاعراف وعمادة المحامين.
لقاءات صدرت اثرها بلاغات اعلامية، حملت اشارة صريحة وواضحة إلى ان الرئيس في طريقه الى اعلان «حوار وطني»، ففي لقائه بالمكتب التنفيذي لاتحاد الشغل شدد الرئيس وفق البلاغ على أن «الحلول لن تنفرد بها جهة واحدة بل ستقوم على الحوار». حوار وضع له الرئيس شروطه ، وهي ان يؤسس على مخرجات الاستشارة الشعبية وثانيها ان لا يشمل «من نهبوا مقدّرات الشعب أو أرادوا الانقلاب على الدولة.
ذات العرض والشروط، أي الحوار وشروط اقامته قدمها الرئيس في لقائه ايضا باعضاء المكتب التنفيذي لمنظمة الاعراف يوم امس بقصر قرطاج اين شدد للحاضرين على أن التعاطي مع القضايا الراهنة يجب أن يكون في إطار مقاربة وطنية وعلى الحوار.
حوار قال عنه الرئيس في لقائه بعميد المحامين إبراهيم بودربالة، انه سيعتمد مخرجات الاستشارة الالكترونية من أجل بناء حوار وفق مقاربة وطنية للقضايا الراهنة وذلك لتحقيق تطلعات الشعب التونسي وآماله.
هنا وفي لقاءاته اعلن الرئيس لقادة المنظمات الوطنية باشكال مختلفة انه يعرض عليهم المشاركة في الحوار الوطني، وفق تصور اعلن عن قسم منه في لقاءاته معهم، حوار ينطلق من نتائج الاستشارة الالكترونية والتي قدمت بعض من ملامح المشروع السياسي للرئيس، وثانيها الاّ يشمل الحوار احزابا وكتلا برلمانية يعتبرها الرئيس فاسدة او منقلبة على الدولة.
هذا العرض لا يجب ان ينظر اليه وفق ما تقدمه البلاغات الرئاسية الصادرة بشأن اللقاءات المنعقدة امس مع المنظمات بل يجب ان ينظر اليه ضمن الاطر التي حددت في اللقاء الذي جمع الرئيس برئيسة الحكومة ووزير تكنولوجيات الاتصال، فذلك اللقاء المنعقد مساء الخميس الفارط قدم ارضية الحوار الوطني المنتظر.
ارضية لا تتعلق فقط بنتائج الاستشارة الشعبية وما يريده التونسيون في علاقة بالدستور والنظام السياسي والانتخاباات، بل ارضية حددت ملامحها في كلمة الرئيس نفسه الذي شدد على ان المسار السياسي الذي ستسلكه تونس يقوم على «ارادة الشعب التونسي»، والشعب كشف عن ارادته في الاستشارة وعليه فان الحوار سيكون ضمن حدود الارادة الشعبية.
هذه الحدود تشمل فقط الاصلاحات السياسية والمراحل التي تقود اليها، أي ان الرئيس رسم ارضية للحوار تقوم على عناصر واضحة، تغيير الدستور، تغيير النظام السياسي واعتماد قانون انتخابي مغاير وكل هذا يجب ان يكون في انسجام مع المراحل التي وضعها ، والتي تجعل الاستفتاء متقدما على الانتخابات التشريعية.
هذه الارضية او الشروط التي عرضها الرئيس بشكل صريح او مبطن، اما البقية فهي محل نقاش وستكون محل البحث عن توافق في الحوار الوطني، ولاقناع المنظمات بعرضه يبدو ان الرئيس قد ابدى استعداده للتخلي عن التواريخ المحددة للاستفتاء وللانتخابات التشريعية المبكرة. وهذا ما كشف عنه في التسجيل المرئي الذي نشرته الرئاسة عن لقاء الرئيس مع وزير تكنولوجيات الاتصال.
لقاء اهم ما جاء فيه ليس تصنيف الجلسة العامة التي عقدها البرلمان المنحل على انها «محاولة انقلاب فاشلة « ولا في تشديده على ان يلعب القضاء دوره في الفترة التاريخية. بل في المونتاج الذي خضع له التسجيل والرسالة السياسية التي كشفها المونتاج.
فمنذ الدقيقة 6 و 53 ثانية تطرق الرئيس الى مطالبة بعض الاحزاب باجراء انتخابات تشريعية في الاجال الدستورية وهي 90 يوما على اقصى تقدير، ليقول في الدقيقة السابعة و22 ثانية « يتحدثون عن موعد الانتخابات وقد تم الاعلان عن الموعد الي ستتم فيه...» هنا يتغير اطار الصورة ويحل الفراغ الذي عاد بإطار صورة مختلف عن الاطار الذي جاءت فيه الجملة الاولى.
وفي الاطار الجديد الذي انطلق من الدقيقة 7 والثانية 25 من تسجيل الفيديو الذي نشرته الرئاسة ليلة الخميس الفارط عاد الرئيس ليتحدث عن ان نتائج الاستشارة وعن الارادة الشعب التي اعتبرها الفيصل. وهذا بعد ان وقع اقتطاع التواريخ التي ذكرها الرئيس.
اقتطاع للتواريخ ليس نتيجة خطإ تقني او معالجة غير سياسية بل هو خيار سياسي له هدف محدد، والهدف هنا هو ان الرئيس لا يريد ان يجعل من التواريخ المحددة أي تاريخ 25 جويلية للاستفتاء وتاريخ 17 ديسمبر للانتخابات التشريعية مواعيد ثابته لا تراجع عنها او شرطا للحوار.
وطالما ان الرئيس لا يريد هذا فانه يترك المجال لان تكون التواريخ محل نقاش في الحوار الوطني بهدف تحديد رزنامة توافقية، أي انه يعرض ضمنيا امكانية مراجعة مواعيد الاستحقاقات لاقناع المنظمات بالمشاركة في حوار وطني ارضيته السياسية انهاء منظومة 2011 ومخرجاتها الدستورية والقانونية والسياسية.