الملاحظة الأساسية لنتائج نوايا التصويت لشهر فيفري 2022 الذي تنجزه مؤسسة «سيغما» بالتعاون مع جريدة «المغرب» هي الاستقرار النسبي لتوجهات الرأي العام خلال هذه الأشهر الأخيرة : تواصل تقدم الدستوري الحرّ في نوايا التصويت في التشريعية في حدود الثلث متبوعا بما يسميه المستجوبون «حزب قيس سعيد» وبعيدا عن هذا الثنائي نجد حركة النهضة في حدود %10.
أما في الرئاسية فلا منافس،إلى حدّ اليوم،لقيس سعيد الذي يحلق دائما فوق عتبة %80 من نوايا التصويت .
نظريا لدينا في آخر هذه السنة وتحديدا يوم 17 ديمسبر2022 انتخابات تشريعية لكننا لا نعلم إلى حدّ اليوم صيغتها وطبيعتها ومن سينظمها ووفق أي قانون ستحصل ومن سيترشح لها ولعل كل هذا يفسر قلة حماسة التونسيين لها إذ لا يعبّر ثلثا المستجوبين عن نوايا تصويتهم. للأمانة نضيف أن سبب هذا الإقبال الضعيف لا يعود فقط لهذا الغموض بل لضعف ارتباط عموم التونسيين بالمؤسسة التشريعية وهذا ما نجده في كل عمليات نوايا التصويت أو الثقة في مؤسسات الدولة منذ سنين عديدة .
• ثنائية قطبية من صنف جديد:
مرة أخرى يواصل الحزب الدستوري الحر التقدم في نوايا التصويت في التشريعية بنفس النسبة تقريبا (%32.6 في الشهر الحالي مقابل %34.0 في جانفي الفارط ) يليه مباشرة «حزب قيس سعيد» بـ%30.6 من نوايا التصويت (%33.0 في جانفي الفارط) وهذا ما يعطينا ازدواجية قطبية متضادة من صنف جديد بعد أن عاشت البلاد على قطبيات مختلفة متضادة هي كذلك: النداء والنهضة ثم النهضة وقلب تونس ثم الدستوري والنهضة ..وهذه هي المرّة الأولى منذ 2011 التي تغيب فيها الحركة الاسلاموية عن الأدوار الأولى في نوايا التصويت في التشريعية ولما كان الوضع في القطبيات الثنائية السابقة فنحن لسنا فقط امام منافسة سياسية حادة بل أمام مشروعين مجتمعين وإيديولوجيين متنافرين ونجد ترجمة ذلك في السوسيولوجيا الانتخابية لكلا الطرفين .
• جهويا مواطن قوة الدستوري الحر تكمن أساسا في الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) وصفاقس وبدرجة اقل في تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) والجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي) بينما يتفوق بوضوح كبير «حزب قيس سعيد» في الوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) وبدرجة اقل في كل ولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) والشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل) ويحقق القطبان نتائج متقاربة في الشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة )
• جندريا يتقدم الدستوري الحرّ على «حزب قيس سعيد» في النساء بينما يحصل العكس مع الرجال .
• اجتماعيا: يتفوق الدستوري الحرّ خاصة في الطبقة المتوسطة العليا وبدرجة أقل في الطبقة المرفهة (وهذا جديد حيث كان تفوق الدستوري الحرّ كاسحا في هذه الفئة الاجتماعية) كذلك في الطبقة الوسطى السفلى فيما يكون التقدم لافتا لـ»حزب قيس سعيد» في الطبقة الشعبية .
• جيليا الفرق واضح وجلي بين الطرفين فصغار الشباب(18-25 سنة) هم بوضوح مع «حزب قيس سعيد» بـ%37 من نوايا التصويت لهذه الشريحة العمرية مقابل %12 للدستوري الحرّ ثم يتعادل الطرفان عند صغار الكهول (26 - 44 سنة) والكهول (45-59 سنة) ثم تكون الغلبة الواضحة لحزب عبير موسي عند من تجاوزوا الستين بـ%45 مقابل %33.
• معرفيا بقدر ما يتدنى التحصيل المدرسي يتقدم «حزب قيس سعيد» وبقدر ما يرتفع تؤول الكلمة إلى الدستوري الحرّ.
نحن إذن لسنا أمام انقسام سياسي فقط بل أمام ما يمكن أن نسميه بالانقسام الطبقي بالمعنى الواسع للكلمة فلدينا بصفة إجمالية تونس المندمجة الساحلية المسنّة من جهة أمام تونس الشابة في المناطق الداخلية والتي تعاني من أشكال مختلفة من التهميش من جهة أخرى ..بالطبيعة هذا التقسيم ليس حديا ويحتمل تداخلا كبيرا ولا يخضع فقط إلى هذه المحددات الاجتماعية،ولكن دون هذه المحددات العامة لا يمكننا أن نفهم عمق هذا الاستقطاب ولِمَ أصبح المهيمن اليوم في أذهان الجزء الأكبر من التونسيين .
• والبقية:
بعيدا عن هذا الثنائي نجد الحركة الاسلامية بـ%10.4 من نوايا التصويت (%9.9 في جانفي الماضي ) النهضة وإن كانت بعيدة جدّا عن مواقع الصدارة إلا أنها حافظت على مخزون نسبي من تواصل تقدمها على الجميع في الجنوب الشرقي خاصة حركة الشعب التي حافظت على وجودها ضمن خماسي الطليعة (المرتبة الرابعة ) بـ%4.1 من نوايا التصويت مقابل %4.5 في الشهر الماضي وهي بالتالي لم تستفد كثيرا من دعمها الكبير لرئيس الجمهورية ولم تنجح في التحول إلى حزب الرئيس انتخابيا ولكنها على كل حال في وضعية أفضل بكثير من التيار الديمقراطي الذي تراجع إلى المرتبة السابعة بـ%1.9 من نوايا التصويت بعد أن كان في جانفي الفارط في المرتبة الخامسة بـ%3.3 تاركا بذلك مكانه في خماسي الطليعة لـ«حزب الصافي سعيد» بـ%2.9 من نوايا التصويت .
• نوايا التصويت في الرئاسية:
مرة أخرى قيس سعيد دون منافس
في نوايا التصويت في الرئاسية لا وجود منذ 25 جويلية الفارط لأية بوادر لمنافسة ولو بسيطة لصاحب قرطاج والذي رغم خسارته لخمس نقاط يظل دوما
فوق عتبة %80 (%83.4 في فيفري 2022 مقابل %88.1 في جانفي 2022) ورغم هذه النقاط التي خسرها لم تستفد من ذلك عبير موسي صاحبة المرتبة الثانية بـ %4.6 (%5.0 في جانفي ) بما يدل بوضوح أن رئيس الدولة لم يجد بعد المنافس القادر على هزمه في انتخابات رئاسية لو حصلت في هذا المدى القريب وأن الشخصيات التي تكون خماسي الطليعة كالصافي سعيد بـ%2.0 والفاضل عبد الكافي بـ%1.1 ونبيل القروي بـ%1.0 لا تملك – إلى حدّ اليوم على الأقل – الحدّ الأدنى من الدعم الشعبي الذي يجعلها قادرة على المنافسة غدا ..
هذه صورة موقتة بطبيعة الحال سوف تتغير حتما في الأشهر القادمة وقد تحصل مفاجآت إما من داخل هذا الخماسي أو من خارجه تجعلنا نبتعد عن هذه النسب الإجماعية .
هذه صورة فوتوغرافية للتوازنات السياسية اليوم ،فكيف ستكون غدا ؟
ذلك هو السؤال .
من معاني التصويت لحزب غير موجود
أثارت تسمية «حزب قيس سعيد» ونوايا التصويت المتعلقة به جدلا كبيرا داخل الساحة السياسية والإعلامية بعد 25 جويلية ورأى فيه بعضهم توجيها خبيثا للناخبين والتحيّل عليهم بالترويج لحزب وهمي .
لهذا ينبغي أن نوضح – مجددا – المسائل التالية :
-سبر آراء نوايا التصويت في التشريعية والرئاسية الذي ننشره بصفة شهرية لا يقترح أية قائمة على المستجوبين وأن صيغة السؤال هي التالية « لو حصلت الانتخابات التشريعية (أو الرئاسية ) اليوم لمن ستصوت « ولا يقوم المُستجوِب بأية عملية إيحاء أو توجيه للمستَجوَب بل يكتفي فقط بتسجيل إجابته حتى لو قال له سأصوت للحزب الفاشي الديمقراطي الشيوعي الليبرالي ..
بالتالي يكون الاعتراض الشائع : لِم لا نقول له أن هذا الحزب غير موجود أو غير قانوني أو لا يعني إي شيء اعتراض في غير محله لأن سبر أراء نوايا التصويت يفقد كل مصداقية علمية لو تدخل المُستَجْوِب لتوضيح أمر ما لإعانة المُستَجْوَب على توضيح إجابته.
هذا على مستوى الشكل ، والشكل هام هنا، أما على مستوى المضمون فماذا يعني «حزب قيس سعيد» أو «حزب الصافي سعيد» أو غير هذه التسميات المتعلقة بربط شخصية عامة بحزب لا يوحد على ارض الواقع ولا نعلم أفكاره وقياداته وهياكله؟ هو ببساطة تعبير عن رفض التصويت لكل الأحزاب التي يعلم بوجودها المُستَجْوَب ورغبته في التصويت لحزب جديد يكون التجسيد الواقعي لأفكار وبرامج شخصية سياسية يتمنى هذا الجزء من المستجوبين أن يكون موجودا على أرض الواقع ..
هل يعني هذا لو أن حزبا أعلن غدا انه هو حزب قيس سعيد أن هذا الحزب سينال كل نوايا التصويت هذه ؟ بالطبع لا وهذا لن يحصل حتى لو كانت الشخصية المعنية (قيس سعيد أو الصافي سعيد أو غيرهما) هي التي تعلن عن ميلاد هذا الحزب (وهذه مبدئيا مسالة مستبعدة جدا في حالة قيس سعيد ) لان هذه الرغبة الافتراضية ستجد أمامها هيكلا حزبيا بشخصيات وقيادات وهياكل قد يغيب هذا الوجود الفعلي آمال وأحلام الأشخاص الذين كانوا ينوون التصويت لحزب مرتبط بقيس سعيد أو غيره..
إذن لم نصر على ذكر «حزب قيس سعيد» رغم كل هذه التحفظات ؟ لان ذلك يعبّر عن الصورة الواقعية اليوم – وليس غدا – عن التوجهات الفعلية لجزء من التونسيين وأن إخفاء هذه الصورة هو عين التلاعب العلمي والسياسي والأخلاقي بنوايا التصويت.
الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 1788 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI) Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2،3.
• تاريخ الدراسة: من 11 إلى 14 فيفري 2022