انتخابات تشريعية وهذا ما سيضفي على عمليات سبر الآراء نوايا التصويت التي تنجزها مؤسسة «سيغما» بالتعاون مع جريدة «المغرب» أهمية خاصة إذ لن يكون المستجوب أمام فرضية نظرية (لو جرت الانتخابات لمن ستصوت) بل أمام مسار بدأت ملامحه تتوضح ،وها نحن نرصد قبيل 11 شهرا التوازنات السياسية الكبرى لهذا الرهان الانتخابي القادم.
الملاحظة الأولى التي تجدر الإشارة إليها هي تراجع نسبة نوايا التصويت المصرح بها خلال هذا الأشهر الأخيرة سواء أتعلق الأمر بالتشريعية (من %32.8 إلى %27.5) أو بالرئاسية (من %70.9 إلى %66.5) وهذا يدل لوحده على حيرة أجزاء هامة من الرأي العام وعلى أن الانتخابات التشريعية هي الأبعد عن مهجة التونسيين وعن اهتماماتهم إذ تكاد لا تعني إلا ربع العينة (%27.5)
• التنافس يشتد بين الدستوري الحرّ و«حزب قيس سعيد»
لو ركزنا النظر مع الذين يدلون بنوايا تصويتهم لرأينا أن المنافسة على أشدها بين الدستوري الحرّ الذي مازال يتصدر الترتيب بـ%34 إلا انه ملاحق أشد الملاحقة ممن يقولون أنهم ينوون التصويت لـ»حزب قيس سعيد» بـ%33 من إجمالي نوايا التصويت المصرح بها .
ورغم تواصل صموده سيخسر الدستوري الحرّ نقطتين مقارنة مع ديسمبر 2021 وحوالي 180.000 ألف صوت افتراضي أخذا بعين الاعتبار تراجع نوايا التصويت المعلنة ..في المقابل يربح « حزب قيس سعيد» 12 نقطة كاملة وحوالي 160.000 صوت افتراضي.
أما حركة النهضة صاحبة المرتبة الثالثة بـ%9.9 في جانفي الحالي فهي تخسر حوالي 6 نقاط وحوالي 170.000 صوت افتراضي ..
كيف يُمكن أن نفسر هذه التحولات الهامة خلال شهر واحد ؟
التفسير الذي يبدو لنا الأكثر إقناعا هو بروز حركة النهضة خلال هذه الأسابيع الأخيرة كمعارضة أبرز للرئيس قيس سعيد ولمشروعه الرئاسي وهذا ما قد يجعل من موجة العداء لها تحتد وتتجمع حول خصمها الأساسي اليوم رغم أننا نتحدث على «حزب» لا وجود له في الواقع ولا نعلم ماهي أفكاره ورموزه ولكن الرغبة في التصويت له تعبّر عن إرادة هذا الجزء من المواطنين لإعطاء رئيس الدولة الوزن البرلماني الذي كان يفتقده كلية قبيل أشهر قليلة .
• في سوسيولوجيا الاستقطاب الثنائي
نحن الآن بوضوح أمام استقطاب ثنائي من صنف جديد : العائلة الدستورية التي تبدو موحدة في الأغلب الأعم حول الحزب الدستوري الحرّ والمشروع السياسي لقيس سعيد والذي لم يتجسد بعد في حركة سياسية واضحة المعالم ،لكن ورغم ذلك نحن أمام مطلبين اجتماعيين متمايزين بوضوح كبير .
يتفوق الحزب الدستوري الحرّ بوضوح على «حزب قيس سعيد» في تونس الكبرى (ولايات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) وصفاقس وخاصة الوسط الشرقي (ولايات سوسة والمنستير والمهدية) ونتائجه متقاربة مع منافسه في الشمال الشرقي (بنزرت ونابل وزغوان) والى حدّ ما في الجنوب الشرقي كذلك (ولايات قابس ومدنين وتطاوين) ..
أما مناطق نفوذ «حزب قيس سعيد» فهي في الشمال الغربي (ولايات باجة وجندوبة والكاف وسليانة) والوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) والجنوب الغربي (قفصة وتوز وقبلي).
-جندريا حزب عبير موسي يتفوق على «حزب قيس سعيد» عند الرجال بينما تكون الغلبة لهذا الأخير عند النساء .
-اجتماعيا الدستوري الحرّ يكاد يسحق منافسه عند الطبقة المرفهة( %47 مقابل%18) وبوضح كذلك في الطبقة الوسطى العليا (%38 مقابل %22) بينما يحصل العكس تماما في الطبقة الشعبية (%23 مقابل %47) وبدرجة اقل في الطبقة الوسطى السفلى (%33 مقابل %47)
-جيليا التباين واضح كذلك فالشباب (18-25 سنة) وصغار الكهول (26-44 سنة) يقولون أنهم سيصوتون بكثافة لحزب قيس سعيد بينما تكون الغلبة واضحة للدستوري الحرّ عند الكهول (45-59 سنة) وخاصة عند من تجاوزوا الستين .
-معرفيا التمايز جلي كذلك إذ تكون الغلبة عند «حزب قيس سعيد» عند الأميين وأصحاب مستوى التعليم الابتدائي ويتعادل المتنافسان عند أصحاب التعليم الثانوي بينما تؤول الغلبة للدستوري الحرّ عند أصحاب التعليم العالي .
نحن إذن أمام انقسام اجتماعي عميق لم نلاحظ له مثيلا منذ بداية الثورة حيث كان العنصر الجهوي أساسيا في التمايز السياسي بينما يمثل اليوم ما يمكن أن نسميه بالعنصر الطبقي (بالمعنى الواسع للمفهوم) هو عنصر التمايز الأساسي..هنالك من جهة تونس المدن الساحلية الكبرى الناجحة اجتماعيا والمتقدمة في السن نسبيا أمام تونس الأعماق الشابة والتي لم تجد لها المكانة اللائقة بها في سلم النجاح الاجتماعي ،وتونس هذه
لا تجد ضالتها في كل العروض السياسية المتوفرة إلى حدّ الآن وهي تريد عرضا سياسيا جديدا متناغما مع ما تعتقد انه مشروع قيس سعيد ..
لكن الإشكال الكبير هو تلك الهوة بين هذه الرغبة الاجتماعية وبين إمكانية تشكيل فعلي لحركة سياسية يمكن وصفها بـ»حزب قيس سعيد» لان ذلك سيجبر الرئيس على تبني ملموس لحزب سياسي وهو الذي يقول دوما انه لا ينتمي إلى عالم الأحزاب ثم هو يجبر كذلك جملة من الشخصيات إلى الانخراط في هذا المشروع وعندما يتجسد «حزب قيس سعيد» في حركة سياسية ملموسة عندها قد يفقد كثيرا من القه ومن الهالة الرئاسية التي تحيط به .
• .... والآخرون
بعد هذا الثنائي نجد حركة النهضة في المرتبة الثالثة بـ%9.9 والحركة الإسلامية حتى وإن حافظت على وجودها في حدوده الدنيا إلا أنها لم تتمكن رغم كل محاولاتها من إعادة ربط الصلة العاطفية مع أوسع قطاعات الشعب التونسي ،ذلك ان للحركة الاسلاموية قاعدة صلبة تسمح لها بمواصلة الحياة لكن دون القدرة – إلى حدّ الآن – على التأثير الفعلي على مجريات الأمور أو العودة إلى مستواها قبل 25 جويلية 2021.
ويختم خماسي الطليعة كل من حركة الشعب بـ%4.5 من نوايا التصويت المصرح بها والتيار الديمقراطي بـ%3.3 وهكذا يبقى حلفاء الأمس في الكتلة الديمقراطية في مستويات متقاربة .لكن لو تغيرت طريقة الاقتراع وتم العدول عن التصويت على القائمات في أوسع الدوائر فقد يفقد هذان الحزبان إمكانية التواجد في البرلمان الجديد.
• في الرئاسية:
قيس سعيد مازال دون منافسة
لو حصلت الانتخابات الرئاسية اليوم لفاز بها قيس سعيد منذ الدور الأول بصفة كبيرة للغاية وبنسبة شبه اجماعية :%88.9 والواضح هنا أنه لا وجود لمنافس جدي لرئيس الدولة في نظر التونسيين وهم لا يرون من بإمكانه احتلال مكانه اليوم .
في انتظار تحول مهجة الرأي العام نجد أن زعيمة الدستوري الحر دوما في المرتبة الثانية ولكن بـ%5 فقط من نوايا التصويت يتبعها المنصف المرزوقي بـ%1.0 ثم الصافي سعيد بـ%0.8 والفاضل عبد الكافي بـ%0.7
لسنا ندري إلى متى ستتواصل هذه الهيمنة شبه المطلقة لصاحب قرطاج ولسنا ندري هل أن صعوبات الحكم كافية لوحدها لخلق شروط المنافسة الحدية في الرئاسيات ام لا ..
لعل الأشهر القادمة ستقدم لنا الإجابة عن كل هذه الأسئلة .
الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 2000 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI) Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2،2.
• تاريخ الدراسة: من 11 جانفي إلى 15 جانفي 2022
خاص: نوايا التصويت في التشريعية والرئاسية - جانفي 2022
- بقلم زياد كريشان
- 11:44 22/01/2022
- 1952 عدد المشاهدات
لو كتب للرزنامة التي وضعها رئيس الدولة في 13 ديسمبر أن تطبق بحذافيرها سنشهد في نهاية هذه السنة وتحديدا يوم 17 ديسمبر 2022