لنفسه استعمال كل اساليب الضغط الممكنة لتحقيق «نصر» سياسي في بلاد تواجه ازمة اقتصادية ومالية لا مفرّ منها الا بتنزيل حزمة اصلاحات موجعة وغير شعبية.
حزمة تتضمن اصلاحات من بينها تقليص نفقات الدعم، بهدف بلوغ مرحلة الدعم المباشر والموجه للاسر المعوزة فقط لكن هذا سيكون بالمرور عبر الية تعديل اسعار المحروقات ورفع الدعم عنها مما سينعكس مباشرة على كل المنتوجات والخدمات ويرفع من تكلفتها وبالتالي الرفع من سعر البيع للعموم.
هذه عينة من الاصلاحات التي ستنطلق فيها تونس مع بداية سنة 2022، والتي ستشهد ترفيعا في سعر عدد من المواد الاستهلاكية والمواد الاساسية بهدف تقليص العجز في الموازنة إما عبر استخلاص موارد جبائية جديدة كالترفيع من الضرائب على منتوجات التبغ، او بتقليص حجم نفقات الدعم اذا تعلق الامر بمنتوجات الحبوب والمحروقات.
مثل هذه الاصلاحات اذا اضيف اليها تجميد الزيادة الاجور في الوظيفة العمومية والقطاع العمومي مع امكانية تجميد صرف المنح والامتيازات المالية طوال سنة 2022. ستكون قاسية على المواطنين فمع تجميد مداخيلهم المالية في افضل الاحوال ستشهد السلع والخدمات ارتفاعا في اسعارها اي ان التوازنات المالية للاسر والمواطن ستشهد اختلالا حادا خاصة وان نسبة التضخم لن تشهد تراجعا بالنسق الذي يمكن من مسايرة التداعيات المالية المباشرة اي ان الاسعار لن تشهد انخفاضا بشكل مباشر بما يسمح بامتصاص الصدمة او على الاقل تقليص التاثير المالي المباشر على المواطن.
هذا المواطن- وفي الجزء الاعم» - قد لا يهتم كثيرا بالنقاش السياسي المتعلق بطبيعة الاصلاحات السياسية والدستورية التي يقترحها رئيس الجمهورية، لن يتعامل بذات البرود او المسايرة اذا تعلق الامر بالملف الاقتصادي والمالي. ففي النهاية ورغم ما قد يقال من اهمية الوعي السياسي وضرورته الا ان المحركات الاساسية لكل التجمعات الانسانية الكبرى اقتصادية ومالية بالاساس، اي امنهم ومساحة الرفاهية المتوفرة لديهم اذا وقع المساس منها فان هذا يفجر غضبا شعبيا اكبر مما قد يسببه اي اصلاح سياسي او دستوري قد يكون مناقضا لأبجديات اللعبة الديمقراطية.
هنا ندرك اننا في وضعية صعبة، فهذه الاصلاحات ضرورية لا مناص منها لانقاذ الدولة واقتصادها لأن استمرار تاجيلها لن ينجر عنه الا ارتفاع كلفة الاصلاح، وهو ما تم خلال السنوات العشر الفارط فكلما اخر السياسيون الاصلاحات ارتفعت كلفتها وهذه الكلفة اقتصادية ومالية واجتماعية.
اي اننا امام حتمية الاصلاح لا فقط لضمان دعم صندوق النقد الدولي والوصول الى اتفاق معه يسمح للحكومة بالخروج الى السوق المالية، بل نحن في امس الحاجة لهذه الاصلاحات الهيكلية لاعادة بناء اقتصاد تونسي قادر على خلق الثروة كخطوة اولى لتوزيع عادل لها.
غير ان البلاد اليوم لا تتوفر فيها مناخات تساعد على تنزيل هذه الاصلاحات دون رد فعل عنيف من الشارع، فهذه الاصلاحات باتت ورقة لعب وضغط من القوى السياسية المتناحرة بشكل صريح ومباشر، ويمكن تصنيفها لمجموعتين كبيرتين- وفق قدرتها على التاثير والتعبئة- انصار الرئيس وهم جماعة متناسقة نسبيا مقابل معارضي الرئيس و هي مجموعة مركبة جدا تضم اقصى اليسار واقصى اليمين، إذ تضم حركة النهضة والدستوري الحر معا على سبيل الذكر. دون ان نغفل عن الاتحاد العام التونسي للشغل.
مشهد سياسي تبرز حدة تناقضاته ومطامح كل طرف فيه لتحقيق مكاسب سياسية لذلك تعزز الانقسام في الشارع والذي بات اسيرا لصراع سياسي ستوظف فيه الاصلاحات لغايات سياسوية تبحث عن تحقيق نقاط. وهنا ستكون الاصلاحات وقود لصراع جديد يحشد فيه الشارع ضد هذا الطرف او ذاك.
اي اننا سنشهد تجاذبات حادة تغذي مزيدا من الانقسام عبر ورقة الاصلاحات، التي يفترض ان تنزل في ظل استقرار سياسي يساعد على تهدئة الشارع اولا وعلى تقليص تداعياتها المباشرة وغير المباشرة لضمان تحقيقها لاهدافها حتى وان كانت التداعيات المباشرة موجعة وغير شعبية خلال السنوات الاولى من الاصلاحات.
اصلاحات كان يفترض ان تكون محل نقاش مجتمعى يبتعد بها عن المشاحنات السياسوية.
تزامن الانقسام السياسي مع الإصلاحات الكبرى: من ينقذ تونس من أبنائها...
- بقلم حسان العيادي
- 11:39 20/12/2021
- 1188 عدد المشاهدات
أضحت حالة الانقسام في الشارع التونسي غير خافية. فالتجاذبات السياسية جعلت البلاد تنقسم الى فرق وشيع شتى كل منها يبيح